حسن نافعة
هل يمكن لجماعة الإخوان المسلمين، أقدم القوى السياسية وجوداً على الساحة المصرية بعد حزب الوفد، أن تتخذ قراراً بحلّ نفسها؟ أُدرك مدى صعوبة اتخاذ الجماعة قراراً كهذا عن طيب خاطر، لكننى على يقين فى الوقت نفسه من: 1- أن إقدام الجماعة على حلّ نفسها بمحض إرادتها بات أفضل الخيارات المتاحة أمامها الآن. 2- أن هذا القرار تأخر كثيرا، وكان يتعين على الجماعة اتخاذه بالتزامن مع قرارها بتشكيل حزب «الحرية والعدالة» كى يبدو ساعتها كأنه نتاج تطور طبيعى يفرض عليها أن تتحول من «جماعة» تدعو إلى ربها بالحكمة والموعظة الحسنة إلى «حزب» يسعى للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. 3- أنه يحقق مصلحة كبرى لشعب يتوق لقيام دولة حديثة فى مصر يحكمها القانون، ولجماعة أصبحت الفرصة متاحة أمامها للمشاركة رسميا فى صنع المستقبل المصرى من خلال نشاط علنى يخضع للقانون وليس من خلال نشاط سرى يعمل فى جنح الظلام ولا يخضع لأى نوع من الرقابة أو المساءلة. 4- أنه ما لم تتخذ الجماعة قرارا بحل نفسها اليوم فسوف تضطر إليه غدا، إما بحكم قضائى تنصاع له مكرهة، أو تحت ضغط إرادة شعبية متصاعدة بدأت ترى فى سلوك الجماعة خطراً على عملية التحول الديمقراطى وعقبة كأداء أمام قيام دولة القانون.
من السهل إدراك وجود صعوبات نفسية وعملية كثيرة تكتنف إقدام الجماعة على اتخاذ قرار بحل نفسها، لكن بوسع أى متتبع لتاريخ هذه الجماعة أن يدرك فى الوقت نفسه أن قرار الحل بات يشكل اليوم ضرورة قصوى لا يمكن تجاهلها، ولا مجال للاحتيال أو محاولة الالتفاف عليها. وإذا كانت صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار تعود إلى رؤية الجماعة لنفسها ولرسالة ترى أنها مؤهلة وربما مكلفة بالاضطلاع بها، يتعين على هذه الجماعة أن تدرك أن اتخاذ قرار بالحل لم يعد مسألة اختيار وإنما ضرورة تفرضها تطورات الأوضاع السياسية فى مصر بعد ثورة يناير.
بوسع كل دارس لتاريخ الجماعة أن يرصد جملة من الحقائق يمكن إجمالها على النحو التالى: 1- أن تجاوب الشعب المصرى معها كان محسوساً حين كان نشاطها مقصوراً على الجانب الدعوى فقط، وهو ما يفسر انتشارها السريع فى فترة وجيزة خلال الثلاثينيات، كما يفسر محاولة الأطراف السياسية الفاعلة، خاصة القصر والإنجليز وبعض الأحزاب السياسية، التودد لها وكسب صداقتها. 2- أن الصدام العنيف الذى وقع بينها وبين جميع النظم السياسية التى تعاقبت على حكم مصر، بدءاً بالنظام شبه الليبرالى فى مرحلة ما قبل يوليو، وانتهاء بالنظام الذى أسقطت ثورة يناير رأسه، مروراً بنظامى عبدالناصر والسادات، لم يكن بسبب نشاطها الدعوى وإنما بسبب لجوئها إلى العمل السرى وإلى العنف والإرهاب، وهو ما يؤكده اغتيال رئيسين للوزراء قبل ثورة يوليو: أحمد ماهر وفهمى النقراشى، وأحد القضاة: أحمد الخازندار، وآخرين. ورغم قيام الجماعة بحل «الجهاز السرى» وتأكيدها نبذ العنف والتخلى عنه كأسلوب لنشر الدعوة، إلا أنها كانت ولاتزال منظمة غامضة تتقن فنون العمل السرى، ولا يعلم أحد عن مصادر تمويلها أو أوجه إنفاقها شيئاً، ربما باستثناء مرشدها العام وبعض المحيطين به والمقربين منه. وهذا هو تحديدا ما يثير مخاوف الكثيرين الآن.
تقضى اعتبارات الإنصاف وأمانة التحليل أن نقرر أن عوامل كثيرة، لا مجال للخوض فيها الآن، ربما تكون قد حالت دون تمكين الجماعة من ممارسة نشاطها المشروع، سواء فى بعده الدعوى أو فى بعده السياسى، خصوصا أن إمكانية قيام نظام ديمقراطى كامل لم تكن متاحة فى مصر منذ لحظة تأسيسها عام 1928 حتى سقوط مبارك فى 12 فبراير عام 2011. ولأن الفرصة التى افتقدتها مصر أصبحت متاحة الآن لأول مرة فى تاريخها، لم يعد هناك أى مبرر لكى تحتفظ الجماعة ببنيتها التنظيمية وبأساليب عملها كما هى، خصوصاً بعد قيام حزب الحرية والعدالة.
تقطع جميع تصرفات الجماعة، خاصة منذ تأسيس حزب الحرية والعدالة حتى الآن، ليس فقط بعدم توافر أى نية لديها لحل نفسها، وإنما أيضا بأنها تبذل جهوداً مستميتة لمقاومة جميع المحاولات الرامية لحلها، حتى تم ذلك عبر الوسائل القانونية والقضائية. تدل على ذلك مؤشرات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- محاولة تفصيل قانون جديد للجمعيات على مقاسها يسمح بالاستمرار فى ممارسة النشاط وفق نفس البنية التنظيمية وأساليب العمل، على النحو الذى أشرنا إليه فى مقالة سابقة. 2- مسارعة وزيرة الشؤون الاجتماعية الحالية، بمجرد صدور تقرير هيئة المفوضين بمجلس الدولة يؤكد عدم وجود كيان قانونى اسمه «جماعة الإخوان المسلمين»، بالإعلان عن أنها تلقت طلباً تقول إنه «مكتمل الأركان» بإشهار جمعية باسم «الإخوان المسلمين»، وأنها وافقت عليه بمجرد الإخطار «وفقاً لما تنص عليه المادة 51 من الدستور الجديد». وتلك فى حد ذاتها فضيحة «مكتملة الأركان» تسىء للجماعة كما تسىء للوزيرة فى الوقت نفسه، وهو ما سنتناوله فى مقالة لاحقة.
والواقع أن هذه التصرفات وغيرها هى التى أدت إلى اقتناع قطاعات متزايدة من الشعب بأن مصر تُحكم من هيئة غير منتخبة، هى مكتب الإرشاد فى المقطم، وليس من قصر الاتحادية فى مصر الجديدة، وبأن عملية واسعة النطاق تستهدف «أخونة الدولة» وقطع الطريق على فرص التحول الديمقراطى، تجرى على قدم وساق، مما تسبب فى اندلاع أزمة سياسية عميقة فى مصر لا نظن أنها قابلة للحل إلا إذا تم حلّ الجماعة وإعادة الانضباط إلى قواعد العمل السياسى.
لست من الكارهين لجماعة الإخوان، ولا من المنكرين لتضحياتها، لكنى على قناعة تامة بأنها ارتكبت أخطاء كثيرة آن أوان تصحيحها، ليس فقط حرصاً على مصلحة الوطن ولكن حرصاً على مصلحتها هى أولاً. وأظن أنه آن الأوان لكى تدرك الجماعة أن الشعب المصرى لن يقبل مطلقاً بأقل من نظام سياسى يحقق الديمقراطية الكاملة، وأنها أصبحت عقبة رئيسية أمام إمكانية تحقيق هذا الهدف.
نقلا عن جريدة المصري اليوم