الجماعة بين المواجهة والمراجعة

الجماعة بين المواجهة والمراجعة

الجماعة بين المواجهة والمراجعة

 تونس اليوم -

الجماعة بين المواجهة والمراجعة

حسن نافعة

كيف ستتعامل جماعة الإخوان مع المحنة التى تواجهها فى الوقت الراهن، وهى الأخطر فى تاريخها؟ أظن أن تفاعلاتها الداخلية ستفضى بها إلى تبنى واحدة من استراتيجيتين: الأولى تدفعها للمواجهة والعمل على تحقيق الأهداف التى تسعى إليها بكل السبل الممكنة، بما فى ذلك استخدام العنف، والثانية تجذبها نحو التهدئة والمراجعة والنقد الذاتى وإعادة صياغة أهدافها القابلة للتحقيق فى ضوء المعطيات المحلية والإقليمية والدولية المتغيرة. المروجون لاستراتيجية المواجهة يستندون إلى مبررات وحجج عديدة أهمها: 1- أن الجماعة جربت الوسائل والطرق السلمية، وحصلت على ثقة الشعب فى عدة استفتاءات وانتخابات متتالية، غير أن القوى «غير الإسلامية» التى «لا تريد الحكم بما أنزل الله» لم ولن تسمح لها باستخدام حقها فى ممارسة السلطة وتغيير المجتمع وفقا لرؤيتها الخاصة، استنادا إلى إرادة الشعب المعبر عنها فى صناديق الاقتراع.  2- أن حرمانها من حقها فى ممارسة السلطة التى وصلت إليها بإرادة الشعب تم بقوة السلاح وبالاعتماد على الجيش، وليس على صندوق الاقتراع. ولأن «ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة». فليس هناك من سبيل آخر لاسترداد السلطة.  3- أن القبول بالأمر الواقع وتبنى سياسة المهادنة والخنوع سيزيد من عناد وجبروت الطرف الآخر، ولن يؤدى إلا إلى تفتت واضمحلال الجماعة من داخلها. أما المروجون لاستراتيجية المراجعة والنقد الذاتى فيستندون إلى حجج ومبررات مضادة، أهمها:  1- أن المحنة التى تواجه الجماعة حاليا ليست من فعل الطرف «الآخر» وحده، وإنما تسببت فيها أيضا أخطاء عديدة ارتكبتها القيادة الحالية للجماعة، بقصد أو دون قصد، ومن ثم فعليها التحلى بما يكفى من الشجاعة للقيام بعملية نقد ذاتى يساعد على الاستفادة من أخطاء الماضى، وتجنب الوقوع فى أخطاء مماثلة فى المستقبل.  2- لن يكون اللجوء إلى العنف فى مصلحة الجماعة هذه المرة، لأن الأوضاع وموازين القوى على الأرض تغيرت واختلت لغير صالح الجماعة، ومن ثم فقد يؤدى إلى محوها من الوجود وطى صفحتها إلى الأبد. 3- على الجماعة الانتباه إلى أن هناك أطرافا محلية وإقليمية ودولية تسعى إلى الإيقاع بينها وبين الجيش وافتعال صدام مسلح بينهما، وهو ما قد يؤدى إلى كارثة. والسؤال: إلى أى من هاتين الاستراتيجيتين ستنحاز الجماعة فى نهاية المطاف: استراتيجية التحدى والمواجهة واستخدام العنف، أم استراتيجية المراجعة والنقد الذاتى والحوار؟.. الواقع أنه ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال. فعقيدة الجماعة وبنيتها التنظيمية والفكرية تدفعان بها فى اتجاه ترجيح كفة المواجهة واللجوء إلى العنف، أما سياساتها ومواقفها فى أوقات الأزمات، والتى يغلب عليها الطابع البراجماتى فى العادة، فسوف تدفع بها نحو التهدئة والحوار. جماعة الإخوان، كما يصورها مؤسسها حسن البنا، هى: «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية». و«إسلام الإخوان»، عند مؤسس الجماعة، هو: «عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف». لذا يبدو واضحا أنها جماعة ولدت لكى تذوب عن المجتمع وتحل محله، بالعمل على «أخونته» تدريجيا، لا أن تشارك فيه وتعمل على تطويره مع الآخرين، وأنها تستهدف الوصول إلى السلطة لاستخدامها كوسيلة لتغيير المجتمع وفقا لرؤيتها الخاصة، وليس لتتداولها سلميا مع الآخرين استنادا إلى قواعد المنافسة العادلة والشريفة. يسهل تبرير اللجوء إلى العنف فى جماعة يقوم تنظيمها على مبدأ «السمع والطاعة العمياء للقيادة»، وليس على التفكير الحر وممارسة النقد الذاتى، ويتم ضمان الولاء للقيادة الأعلى فى التنظيم الخاص من خلال «البيعة والقسم على مصحف وسيف»، وليس على الاقتناع والتفاعل الحر بين متنافسين متساوين، كما يسهل إضفاء هالة من القداسة على استخدامه وتصويره باعتباره «جهادا فى سبيل الله». ولأن القيادة القطبية الحالية لجماعة الإخوان تبدو متشددة إلى حد التطرف، فمن المرجح أن تميل كفة التفاعلات الجارية الآن لصالح استراتيجية المواجهة. غير أن هذه القيادة يجب أن تدرك أن المواجهة هذه المرة لن تكون مع نظام حكم مستبد وظالم، لكن مع شعب سُرقت ثورته وفى حالة توحد تام مع جيش وطنى لا يمكنه أن يقف متفرجا على جماعة تصر على العبث بأمن مصر الوطنى. نأمل أن يسود العقل والحكمة وأن تشرع الجماعة، بعد أن تهدأ مشاعر الغضب والانفعال، فى ممارسة عملية نقد ذاتى تقودها إلى مراجعة شاملة لأفكارها وسياساتها وبنيتها التنظيمية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجماعة بين المواجهة والمراجعة الجماعة بين المواجهة والمراجعة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia