نظام الحصص فى البرلمان

نظام الحصص فى البرلمان

نظام الحصص فى البرلمان

 تونس اليوم -

نظام الحصص فى البرلمان

حسن نافعة

ناضلت شعوب العالم طويلا قبل أن تتمكن من انتزاع حقها فى اختيار ممثليها فى البرلمان، وفى أن تتولى هيئة منتخبة سلطة التشريع، خاصة فى كل ما يتعلق بفرض الضرائب. غير أنه يتعين علينا أن نتذكر حقيقة مهمة، وهى أن حق كل مواطن فى الانتخاب والتصويت لم يتم انتزاعه دفعة واحدة، فقد ظل هذا الحق مقصورا فى البداية، حتى فى أعرق الدول الديمقراطية، على الذكور دون الإناث، ولم يعترف للنساء به فى معظم الدول، بما فى ذلك أكثرها عراقة فى الديمقراطية، إلا بعد الحرب العالمية الثانية. أما بالنسبة للذكور، فلم يكن حق الانتخاب والتصويت متاحا للجميع، وإنما ارتبط فى البداية بأنواع متعددة من التمييز السياسى أو الاجتماعى أو العرقى، حيث اقتصر فى بعض الأحيان على الأعيان (ملاك الأراضى وأصحاب العقارات)، أو على المتعلمين أو دافعى الضرائب أو ذوى البشرة البيضاء... إلخ. ولم يحصل الملونون (أو الزنوج) فى الولايات المتحدة الأمريكية على حق التصويت إلا فى ستينيات القرن الماضى، وبعد نضال طويل وشاق دفع مارتن لوثر كنج، أبرز رموز حركة الحقوق المدنية، حياته ثمنا له. أما الآن فقد أصبح حق الانتخاب والتصويت متاحا لكل مواطن دون تمييز بمجرد بلوغه السن القانونية (18 عاما فى أغلب الأحوال، وأحيانا 16 عاما). ما إن استقر هذا الحق وأصبح مكتسبا حتى تبين أنه لا يكفى وحده لضمان تمثيل عادل لكل فئات المجتمع. فبسبب الثقافة السياسية أوالدينية السائدة، والتى قد تميل إلى تمييز فئات سياسية واجتماعية بعينها، قد يتعذر على فئات أخرى أن تضمن لنفسها تمثيلا فى البرلمان يتناسب مع وزنها العددى، فتتحول إلى فئات مهمشة. من هذه الفئات: المرأة والأقليات الدينية والعرقية والطبقات الاجتماعية الفقيرة... إلخ. ولمعالجة هذا الخلل ظهرت أطروحات تطالب بالتخلى عن المساواة الشكلية وتبنى أفكار تصحيحية تقوم على «التمييز الإيجابى» لصالح الفئات المهمشة. ولوضع هذه الأفكار موضع التطبيق تم اقتراح تقنيات مختلفة، من بينها «نظام الحصص»، الذى يقوم على تخصيص عدد أو نسبة معينة من المقاعد فى البرلمان للفئات المهمشة لضمان حد أدنى من التمثيل العادل لها. تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد تعريف محدد لمصطلح «الفئات المهمشة» يحظى بإجماع الباحثين. ورغم أن الاتجاه العام يميل إلى قصره على نوعين فقط هما: المرأة والأقليات، على اختلاف أنواعها، إلا أن البعض يتوسع فيه أحيانا ليضمنه فئات اجتماعية أخرى، كالعمال والفلاحين مثلا، وهو النظام الذى أخذ به المشرع المصرى على سبيل المثال. ويلاحظ هنا أنه بينما حرص الدستور المصرى على تفادى تخصيص حصة من مقاعد البرلمان للأقباط، فقد أقدم فى بعض الأحيان على تخصيص حصة للمرأة، ثم ما لبث أن عدل عنها، لكنه بدا فى الوقت نفسه شديد الحرص على تخصيص نسبة كبيرة من المقاعد للعمال والفلاحين، لا تقل عن 50%، وظل متمسكا بها منذ بداية فرضها فى الستينيات حتى وقتنا هذا. وينم هذا الوضع- فى تقديرى- عن تخبط وعدم وضوح فى الرؤية. فالعمال والفلاحون ليسوا فئة اجتماعية مهمشة، بل مواطنون يمارسون مهنة بعينها شأنهم فى ذلك شأن الأطباء أو المهندسين أو غيرهما. ولم يقصد المشرع، حين فرض هذه الحصة العالية، حماية ممارسى هذه المهنة، وإنما حماية الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، وتمكين ممثليهم من الوصول إلى برلمان اعتاد كبار الإقطاعيين والرأسماليين أن يحتكروا التمثيل فيه.  وربما كان لهذا التمييز ما يبرره فى وقت سادت فيه أفكار اشتراكية استهدفت حماية مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة. لكن الإصرار على الإبقاء على هذه الحصة بعد السبعينيات، حيث رجحت كفة الفكر الرأسمالى، وهيمن رجال الأعمال على مقاليد السلطة، لم يكن له ما يبرره موضوعيا، وبدا واضحا أنه لم يكن سوى وسيلة لإضعاف سلطة التشريع لحساب الطبقة الحاكمة غير الحريصة على التحول الديمقراطى. ولأن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لم تستفد شيئا من وجود هذه النسبة العالية من «العمال والفلاحين»، أظن أنه لم يعد لها أى مبرر. لذا أفضل أن يأتى دستور 2013 خاليا من تحديد حصة للعمال والفلاحين، أيا كانت. أما بالنسبة للمرأة والأقباط فأتمنى أن تعثر لجنة الخمسين على آلية مناسبة لتحسين تمثيل هذه الفئات المهمشة فعلا. لكن هل نظام الحصص هو الآلية الأنسب لتحقيق هذا الهدف النبيل؟ ليس بالضرورة، وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه فى مرات قادمة. نقلا عن  جريدة المصري اليوم  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام الحصص فى البرلمان نظام الحصص فى البرلمان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia