مخاطر الاستقطاب

مخاطر الاستقطاب

مخاطر الاستقطاب

 تونس اليوم -

مخاطر الاستقطاب

حسن نافعة

لا تزعجنى الخلافات السياسية حول مشروع الدستور، بقدر ما يزعجنى عمق الانقسام المجتمعى الذى أدت إليه. وإذا كانت الخلافات السياسية قد أخذت فى البداية شكل تباين فى وجهات النظر بين فريقين، أحدهما يوافق على مشروع الدستور، والآخر يرفضه، فقد راح الخلاف السياسى بينهما يتحول تدريجياً، فى ظل عمليات شحن وتعبئة لم تتوقف على الجانبين، إلى صراع عقائدى اختلطت فيه الأوراق، أصبح ينذر بأوخم العواقب، ويهدد مستقبل البلاد. على السطح يتجلى صراع بين معسكرين يحاول كل منهما فرض إرادته السياسية على الآخر. فهناك معسكر تشكله فصائل مختلفة، لكنها تبدو موحدة حول «مشروع حضارى» يعبر عنه تيار الإسلام السياسى الذى يصر على ضرورة الإسراع بالاستفتاء على دستور يرى أنه يشكل لبنة أولى على طريق تحقيق هذا المشروع. وهناك معسكر آخر تشكله فصائل سياسية أخرى مختلفة أيضاً، لكنها تبدو موحدة حول «مشروع ديمقراطى» ترى استحالة وضعه موضع التطبيق إلا إذا سقط الدستور المطروح حالياً للاستفتاء. أما فى العمق، فتبدو الأمور أكثر تعقيداً مما هى ظاهرة على السطح. فلا التصويت بـ«نعم» على الدستور المطروح للاستفتاء يكفى لإطلاق المشروع «الحضارى» الذى تعدنا به فصائل الإسلام السياسى، ولا التصويت بـ«لا» فى هذا الاستفتاء سيطلق المشروع «الديمقراطى» الذى تعدنا به بقية الفصائل. فمن الواضح أن أياً من المعسكرين المتصارعين لا يملك مشروعا حقيقياً للنهضة، وأن الوحدة التى تتجلى فى موقف الفصائل المختلفة لكل منهما حول الدستور تخفى فى طياتها انقساماً عميقاً حول معظم القضايا الأساسية الأخرى. لذا فإن المشكلات التى تنتظر المصريين بعد الاستفتاء على الدستور، سواء صوتت الأغلبية عليه بلا أو بنعم، تبدو أكبر مما يمكن لهم احتماله. واهم من يتصور أن لدى جماعة الإخوان المسلمين، ومعها السلفيون والوسطيون وجماعات جهادية كانت حتى وقت قريب تكفر المجتمع وتشهر السلاح فى وجهه، تصوراً موحداً حول معنى «الشريعة الإسلامية» يصلح أساساً لمشروع سياسى قابل للتطبيق على أرض الواقع. ويكفى أن نستعيد إلى الأذهان ما كان يقال فى حق جماعة الإخوان المسلمين من جانب الفصائل الإسلامية الأخرى، بما فى ذلك حزب الوسط الأكثر اعتدالاً بين فصائل هذا المعسكر، لندرك هذه الحقيقة بوضوح. وواهم أيضاً من يتصور أن لدى المعسكر الآخر، الذى يجمع الآن بين الثوار والفلول على اختلاف أنواعهم ودرجاتهم، تصوراً موحداً حول معنى «الديمقراطية» يصلح أساساً لمشروع سياسى قابل للتطبيق على أرض الواقع. لذا ليس من المستبعد مطلقاً أن تدخل فصائل هذا المعسكر أو ذاك فى صراع طاحن فيما بينها، بمجرد أن تستتب الأمور لصالحها. وإذا حدث ذلك - وهذا هو الأرجح - فسوف تدخل البلاد فى متاهة جديدة من انقسامات وصراعات ستقود، لامحالة، إلى أشكال جديدة من التحالفات والتحالفات المضادة. كنت قد راهنت إبان الانتخابات الرئاسية، مع قوى وطنية عديدة، على الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، خوفا من حدوث استقطاب بين التيار الإسلامى وبقية الفصائل الأخرى. وبعد خروج «أبوالفتوح» من السباق راهنت مع هذه القوى نفسها على احتمال تمتع الدكتور مرسى بما يكفى من وضوح الرؤية ليصبح رئيساً لكل المصريين. لكن يبدو أن القوى الوطنية التى راهنت على هذا الوعى على وشك أن تخسر الرهان مرة أخرى، ومن ثم فإن احتمالات جسر الهوة بين المعسكرين المتصارعين بدأت تتضاءل بسرعة، فى ظل إصرار جماعة الإخوان وحلفائها على الذهاب إلى الاستفتاء الفورى على دستور معيب. فهل أصبحنا فى وضع ميؤوس منه؟ ومتى ندرك أنه لن يستطيع بناء نظام ديمقراطى يتسع لمشاركة الجميع سوى تحالف تاريخى بين قوى الاعتدال الإسلامى، من جانب، وبقية القوى التى ساهمت فى صنع ثورة يناير، من جانب آخر؟ أما قوى التطرف على الجانبين، والتى يضمها تحالف طبيعى مع فلول النظام السابق، فلن تصنع سوى الخراب لهذا البلد الأمين. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطر الاستقطاب مخاطر الاستقطاب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia