حسن نافعة
يبدو أن الدكتور محمد مرسى لم يستوعب بعد حقيقة أنه أصبح رسمياً رئيساً للدولة، وأن شغله لهذا الموقع يفرض عليه أن يتحلى بسلوك منضبط يختلف عما اعتاد عليه حين كان «مناضلاً» فى جماعة الإخوان، ولأن رئيس الدولة مسؤول عن جميع مواطنيه، وليس عن فريق منهم فقط، فعليه أن يتجنب كل ما من شأنه أن يثير الشبهات حول حياده التام عند التعامل مع جميع المواطنين. غير أن الدكتور مرسى لم يراعِ هذه الضوابط فى الواقع، وهو ما تجلى بوضوح فى مناسبات عدة، خاصة حين أقدم منذ شهور على إلقاء خطاب فى أنصاره أمام قصر الاتحادية، وحين توجه مساء السبت الماضى إلى استاد القاهرة للمشاركة فى مؤتمر نظمته جماعته والأحزاب المتعاونة معها. لذا أعتقد أن قطاعات لا يستهان بها من المواطنين بدأت تدرك على نحو متزايد أن رئيس الدولة لم يعُد يمثلهم أو يتحدث باسمهم.
ربما كان سلوك الدكتور مرسى المعيب أمام قصر الاتحادية منذ شهور قابلاً للتجاوز، بالنظر إلى طابعه المحلى، أما سلوكه الأهوج فى استاد القاهرة منذ أيام فيصعب تجاوزه، بالنظر إلى تأثيراته الخطيرة على الصعيدين الدولى والإقليمى. فعندما يكون رئيس الدولة حاضراً ومشاركاً فى حدث تبث وقائعه على الهواء مباشرة، خصوصاً عندما يرتبط الحدث بأمر يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة المصرية، فمن الطبيعى أن يتحول الحدث إلى مناسبة رسمية عامة، يؤثر ما يدور خلالها على هيبة الدولة ومكانتها.
ولأن كلاماً كثيراً غير مسؤول قيل فى هذا المؤتمر أمام سمع رئيس الدولة وبصره، ربما كان أخطره ما قيل عن «الجهاد ضد الرافضة»، أظن أنه لن يمر مرور الكرام وستكون له نتائج سلبية على المصالح المصرية العليا. فقد فهمه البعض باعتباره تحريضاً على قتال «الشيعة» و«العلويين»، وغيرهم من المذاهب التى يرى بعض «أهل الجماعة والسنة» أنها انحرفت عن صحيح الدين الإسلامى. وما كان ينبغى أبداً لمثل هذا الكلام غير المسؤول أن يقال فى حضرة رئيس الدولة المصرية.
لا يتسع المقام هنا لحديث مطول عن معنى «الجهاد» فى الإسلام، ولست من المتخصصين فى هذا الموضوع على أى حال، غير أن العلامة الشيخ يوسف القرضاوى كان قد تفضل عام 2009 بإهدائى نسخة من كتابه المرجعى المهم «فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته فى ضوء القرآن والسنة». وعندما عدت إليه مؤخراً اكتشفت أن الموقف الذى تبناه فى هذا الكتاب عن الجهاد، وحدد فيه معنى الجهاد وضوابطه الشرعية من منظور الإسلام الوسطى، يختلف إلى حد التناقض مع موقفه الأخير من الأزمة السورية، حيث اعتبر المشاركة فى القتال ضد النظام السورى نوعاً من «الجهاد»، وبالتالى فرض عين بالنسبة لبعض المسلمين، وفرض كفاية بالنسبة للبعض الآخر.
فإذا ربطنا ذلك كله ببعض ما قيل فى استاد القاهرة، الذى تعامل مع نظام الأسد من منظور طائفى، باعتباره نظاماً يمثل «الرافضة»، وليس فقط نظاماً «باغياً»، لأدركنا خطورة المنزلق الذى يتجه إليه البعض لدفع مصر نحو المشاركة فى حرب طائفية فى المنطقة يصر البعض على إشعالها.
إذا نحّينا البعد الفقهى لهذا الموضوع جانباً واقتصرنا على بعده السياسى، فسرعان ما سنكتشف أن «المجاهدين» المصريين الذين يصر البعض على تحريضهم على الذهاب للقتال فى سوريا، ومنهم دعاة سعوديون جاءوا خصيصاً لهذا الغرض، لن يكونوا مموّلين أو مسلحين من جانب الدولة المصرية، ولن يقاتلوا تحت علم مصالحها الوطنية، وإنما يمولون ويسلحون من جانب قوى وجماعات أخرى، دولية وإقليمية قد تكون من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل. ولأن الثمرة النهائية التى سيتم جنيها من وراء «جهاد» هؤلاء قد لا تكون بالضرورة من نصيب الإسلام والمسلمين، لأن القاتل مسلم والمقتول مسلم فى الأغلب الأعم، فمن الطبيعى أن ينظر البعض إلى هؤلاء، من المنظور السياسى على الأقل، باعتبارهم «مرتزقة».
فهل فكّر الدكتور مرسى فى كل هذه المعانى قبل أن يتوجه إلى الاستاد أم أنه كان يبتغى فقط رضاء البعض وتأييدهم له يوم 30 /6؟ ألم يكن من الأجدى أن تلقى مصر بثقلها وراء جهود التسوية ووقف نزيف الدم، بدلاً من أن تصبح طرفاً فى صراع لا تملك أدوات السيطرة عليه؟ أظن أنه لا يليق بمصر أن ترسل أبناءها للقتال نيابة عن السعوديين فى سوريا، وهو قتال لن يصب فى النهاية إلا لصالح إسرائيل، التى لها وحدها مصلحة فى تفتيت العالم العربى وإشعال نار الفتنة فيه.
نقلا عن جريدة المصري اليوم