حسن نافعة
2 - عام الحسم
من المتوقع أن يشهد عام 2013 تفاعلات قد تؤدى إلى حسم عدد من القضايا المهمة على الصعيدين المحلى والإقليمى لاتزال ملفاتها مفتوحة ومعلقة.
فعلى الصعيد المحلى: سيدخل الصراع المحتدم بين تيار الإسلام السياسى، الذى يستهدف الهيمنة المنفردة على مقاليد الحكم فى مصر، من ناحية، وبقية التيارات السياسية، من ناحية أخرى - مرحلة حاسمة فى نهاية فترة انتقالية مرت بمراحل ثلاث:
الأولى: آلت إدارتها للمجلس العسكرى وامتدت عبر فترة زمنية بدأت بسقوط رأس النظام فى 12 فبراير 2011، واستمرت حتى إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فى يونيو 2012. وقد شهدت هذه المرحلة: انتخابات برلمانية اكتسحتها فصائل التيار الإسلامى، وأعقبتها انتخابات رئاسية أسفرت عن فوز الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين بأغلبية ضئيلة، لكنها انتهت بحل مجلس الشعب على إثر حكم من المحكمة الدستورية وتولى المجلس العسكرى سلطة التشريع.
الثانية: بدأت مع تولى رئيس مدنى منتخب مقاليد السلطة التنفيذية فى 30 يونيو واستمرت حتى إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد فى 25 ديسمبر الماضى. وقد شهدت هذه المرحلة صراعاً متعدد الأبعاد، انتهى بتوارى المجلس العسكرى خلف كواليس المشهد السياسى، وبهيمنة مطلقة للرئيس المدنى المنتخب ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين. وقد استخدم الدكتور محمد مرسى سلطاته لإصدار إعلان دستورى استهدف به شل حركة السلطة القضائية وتحصين كل من الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى وتمرير دستور مختلف عليه بعد طرحه لاستفتاء عام.
الثالثة: بدأت عقب نقل سلطة التشريع كاملة إلى مجلس الشورى، ولاتزال قائمة حتى الآن، ومن المتوقع أن تستمر حتى ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتى ستحدد نتائجها مستقبل النظام السياسى لمصر الجديدة. فحصول تيار الإسلام السياسى على أغلبية مريحة فى البرلمان القادم سيحسم الصراع الدائر حالياً لصالحه بشكل نهائى، وسيمكن جماعة الإخوان من السيطرة على النظام السياسى المصرى لسنوات طويلة قادمة. أما خسارته هذه الانتخابات أو حتى حصوله فيها على أغلبية تقل عن ثلثى المقاعد فسيكون بمثابة بدء العد التنازلى لأفول تاريخى وتحوله التدريجى إلى قوة ثانوية أو هامشية.
وعلى الصعيد الإقليمى: من المتوقع أن يشهد عام 2013 حسم ملفين على جانب كبير من الأهمية هما: الملف السورى، من ناحية، وملف إيران النووى، من ناحية أخرى. ولأنهما ملفان يرتبطان عضويا فسوف تترتب على طريقة حسمهما نتائج بعيدة المدى قد تؤدى إلى إعادة تشكيل خريطة المنطقة برمتها.
ففيما يتعلق بالملف السورى، يصعب تصور استمرار نزيف الدم على النحو الذى هو عليه الآن لمدة عام آخر، ومن ثم فالأرجح أن يحسم الصراع الدائر على سوريا وفيها خلال هذا العام. ولأن قدرة النظام السورى على حسم المعركة عسكريا لصالحه تبدو محدودة، فالأرجح أن يكون العد التنازلى لاختفاء نظام بشار من المشهد الإقليمى قد بدأ بالفعل. صحيح أن بمقدور هذا النظام أن يصمد لعدة أشهر أخرى، غير أن سقوطه بات أمراً حتمياً. لذا لم يعد السؤال الأكثر إلحاحاً يتعلق بما إذا كان على هذا النظام أن يرحل بقدر ما يتعلق بمتى يرحل، وبمصير الدولة السورية بعد رحيله، وبالثمن الذى سيتعين دفعه بالنسبة لمختلف الأطراف. ولأن بوادر حرب أهلية تلوح الآن فى الأفق، فقد ينتهى الصراع الدائر فى سوريا حاليا بتفككها إلى عدد من الدويلات التى تقوم على أسس طائفية.
سقوط النظام السورى سيؤدى حتماً إلى إضعاف الحلف الاستراتيجى الداعم لإيران والتى لن يكون أمامها فى هذه الحالة سوى الاختيار بين بديلين، الأول: تقديم تنازلات جوهرية تتعلق ببرنامجها النووى وبما يسمح بالتوصل إلى تسوية سياسية مقبولة أمريكيا وإسرائيليا، والثانى: الإصرار على مواصلة هذا البرنامج، وهو ما سوف يعرضها حتماً لضربة عسكرية إسرائيلية. وفى جميع الأحوال فسوف يترتب على إغلاق ملف إيران النووى - سواء تم ذلك بتسوية سياسية أو بضربة عسكرية - تغييرات بعيدة المدى على التوازنات الاستراتيجية فى الإقليم.
والسؤال: فى أى اتجاه سيتم حسم هذه الملفات، وهل هناك ما يدعو للتفاؤل، أم أن التشاؤم سيظل سيد الموقف؟ هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه غداً بإذن الله.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"