حسن نافعة
للمأزق الذى تواجهه مصر حاليا جذور قديمة تعود إلى نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التى أسفرت عن حصول كل من الدكتور محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان، والفريق أحمد شفيق، آخر رئيس للوزراء فى عهد النظام الذى ثار عليه الشعب، على أعلى الأصوات. ولأن المفاضلة بين مرشح جماعة «محظورة» ومرشح «الفلول» لم تكن بالأمر الهين على الإطلاق، فقد تعين على الرئيس المنتخب، أياً كان،
أن يدرك أنه لا يستطيع أن يحكم بنصف الشعب، وبالتالى فعليه أن يثبت أنه أهل لأن يصبح رئيساً لكل المصريين. كان يفترض، عندما تم إعلان الدكتور مرسى رئيساً، أن تكون فرصه فى إعادة لم الشمل وتحقيق مصالحة وطنية أكبر بكثير من فرص خصمه، خصوصا أن قطاعا لا يستهان به من المصريين بدا مستعدا لمد يد العون له، رغم مخاوف مشروعة ومبررة تجاه جماعة الإخوان، شريطة أن يكون حريصاً فعلاً على أن يصبح رئيساً لكل المصريين. وعندما قبل الدكتور مرسى أن يوقع بنفسه «إعلان فيرمونت»، الذى حدد بوضوح كيف يمكن لرئيس منتخب، حتى لو كان إخوانياً، أن يصبح رئيساً لكل المصريين، لاحت فرصة كبرى لعقد مصالحة حقيقية تسمح للشعب المصرى المستنزف بأن يتفرغ لبناء دولة قوية وعادلة يتعايش فيها الجميع. غير أنه ما إن تم إعلان الرجل رئيساً رسمياً للبلاد حتى تنكر لكل وعوده،
مهدراً بذلك أول فرصة لاحت أمامه لتحقيق المصالحة. لم تكن «فيرمونت» هى الفرصة الوحيدة التى لاحت أمام الدكتور مرسى. فعلى مدى عام كامل اندلعت أزمات داخلية وخارجية كثيرة، كان آخرها أزمة «سد النهضة»، أتاحت فرصاً كثيرة فى هذا الصدد، ولأن النية لعقد مصالحة وطنية لم تتوافر ولم تكن صادقة أبدا، رغم كثرة الحديث عن أهميتها، فقد كان من الطبيعى أن تهدر كل فرصة أتيحت لتحقيقها، كان آخرها الفرصة التى أتاحتها أزمة سد النهضة. وللتدليل على ما أقول تعالوا نفحص دلالة الكلمة التى ألقاها الرئيس فى حشد وصف بأنه «مؤتمر وطنى للأحزاب والقوى السياسية» لتحديد موقف وطنى مصرى من الأزمة.
فلا المؤتمر الذى عقد كان «وطنياً» بأى معنى، لأن الحضور كانوا جميعاً من جماعة الإخوان ومن الأحزاب المتحالفة معها، ولا الرسائل التى وجهت من خلاله كانت على مستوى الحدث. فى إحدى الرسائل التى وجهها من فوق هذا المنبر، دعا الدكتور مرسى جميع القوى السياسية إلى «تناسى الخلافات والصراعات الحزبية فى هذه المرحلة، حماية لمصر وشعبها، حتى يمكن تخطى التحديات، كما دعا إلى مصالحة وطنية شاملة تنطلق من رؤية موحدة لملف نهر النيل، هدفها الولاء الصادق لمصر الحبيبة دون شعارات أو مزايدات»، وبعد أن عبر الرئيس عن ثقته بأن هذا النداء «سيجد صدى عند القيادات السياسية»، أضاف: «أنا مستعد أن أذهب إلى الجميع، فرادى وجماعات من أجل مصلحة الوطن، حسبة لله، هذا وقت تلبية نداء الوطن والاصطفاف الحقيقى لمواجهة التحديات والوصول لاستراتيجية موحدة بين القيادة والشعب لحماية التاريخ الذى نحبه، والحاضر الذى قمنا بثورة فيه». لا أعرف لماذا ذكرتنى كلمات هذه «الرسالة» بخطاب الرئيس السادات أمام مجلس الشعب عام 77 قبيل زيارته للقدس، حين قال: «إننى مستعد أن أذهب إلى آخر الدنيا، إلى الكنيست ذاته،
حقناً لدماء أولادى فى القوات المسلحة». فهل يريد الرئيس مرسى أن يقول لشعبه إن تعنت قوى المعارضة المصرية وعدم حرصها على المصالح الوطنية العليا وصل إلى الحد الذى بات عليه أن يقوم هو بالخطوة الأولى وأن «يعصر على نفسه ليمونة» ويذهب إلى المعارضة المصرية فى عقر دارها، مثلما ذهب السادات إلى العدو الإسرائيلى فى عقر داره؟ وهل يعتقد الرئيس حقاً أن الشعب سيصدق هذا الكلام، خصوصاً أنه سبق لجميع رموز المعارضة أن ذهبوا مراراً إلى الرئيس فى قصره دون أن يسمع أحد فى أى مرة عرضاً جاداً لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية. لقد فهم كثيرون ما جرى يوم الاثنين الماضى باعتباره محاولة من جانب الرئيس لتنظيم صفوف أنصاره وحشدهم وتعبئتهم وحثهم على الخروج يوم 30 يونيو للتصدى لحركة تمرد المطالبة بسحب الثقة وإجراء انتخابات مبكرة. فلو كان الرئيس يرغب فى تحقيق مصالحة وطنية حقا لطالب أنصاره بعدم الخروج فى ذلك اليوم، إظهاراً لحسن النية ولمنح جهوده الرامية لتحقيق مصالحة وطنية الوقت اللازم والفرصة كى تثمر وتؤتى أكلها. لكن أين هى هذه الجهود؟
سأكون أول المؤيدين للرئيس إن تقدم بمبادرة جادة لتحقيق مصالحة وطنية. وإلى أن يحدث ذلك فلن يكون أمام العناصر الوطنية المخلصة لهذا الشعب سوى أن تحثه على التصميم على مواصلة النضال لاستكمال مسيرة الثورة، والخروج بكثافة يوم 30 يونيو.
نقلا عن جريدة المصري اليوم