حسن نافعة
يعد مجلس الشورى الحالى، تشكيلا واختصاصا، من مخلفات «العهد البائد». فقد ظهر هذا المجلس إلى حيز الوجود قبل إقرار دستور 2012 وبموجب إعلان دستورى نقل طريقة تشكيله واختصاصاته حرفيا من دستور 1971. ولأن ثلث أعضائه بالتعيين وليست له صلاحيات تشريعية تذكر لم يشارك فى اختيار أعضائه المنتخبين سوى 7% من إجمالى المسجلين فى القوائم الانتخابية. غير أن حل مجلس الشعب، صاحب الاختصاص التشريعى الأصيل، دفع بالقائمين على أمر الجمعية التأسيسية إلى إدراج مادة ضمن الأحكام الانتقالية فى الدستور تسمح لمجلس الشورى الحالى «بتولى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد» (المادة 230). فهل يعنى ذلك أن مجلس الشورى أصبح، بتشكيله الحالى، سلطة تشريعية كاملة يحق لها إصدار ما تراه من قوانين؟ والجواب: بالقطع لا. فسلطة التشريع المخولة لمجلس الشورى بموجب هذا النص استثنائية، ومن ثم لا يجوز ممارستها إلا فى حالة الضرورة، وهى فى الوقت نفسه سلطة مؤقتة ومرهونة بغياب مجلس النواب، ومن ثم لا يجوز ممارستها إلا فى إطار ضوابط معينة ولتجنب الآثار السلبية المترتبة على غياب الهيئة صاحبة الاختصاص الأصيل. ويتسق هذا التفسير تماما مع ما صرح به الدكتور مرسى منذ شهور حين ألزم نفسه علانية بعدم اللجوء إلى إصدار قوانين جديدة فى غياب مجلس النواب «إلا فى أضيق الحدود» وإلى أن يتم انتخاب مجلس جديد للنواب.
غير أن الأمور راحت تسير فى اتجاه معاكس لما التزم به الرئيس، إذ يبدو واضحا الآن تماما أن الدكتور مرسى لم يعد راغبا فى إلزام نفسه بالوعد الذى سبق أن قطعه على نفسه، ربما بسبب تأجيل انتخابات مجلس النواب إلى أجل غير مسمى، وربما لأسباب أخرى سياسية أو أيديولوجية. دليلنا على ذلك أن جدول أعمال مجلس الشورى أصبح متخما بمشروعات قوانين لا تتعلق بأمور تتطلب سرعة الحسم. وقد فرغ المجلس من مناقشة بعضها بالفعل، مثل قانون الصكوك، وجار أو يتهيأ لمناقشة بعضها الآخر. ويعد هذا تطورا بالغ الخطورة بالنظر إلى طبيعة الموضوعات التى تعالجها هذه المشروعات والتى تمس قضايا شديدة الحيوية قد تكون لها تأثيرات عميقة ليس فقط على حياة المصريين اليومية ولكن على مستقبل وأمن الوطن أيضا. ولعدم وجود حاجة ماسة تستدعى سرعة إصدار القوانين المتعلقة بهذه الموضوعات، تقضى اعتبارات المواءمة والحكمة بضرورة التأنى وعدم إصدار قوانين هذا النوع إلا بعد تمحيصها من جميع الوجوه وعرضها على سلطة تشريعية حقيقية تعبر عن إرادة الأمة، وهو ما كان يفرض حتما ضرورة تأجيلها إلى ما بعد تشكيل مجلس النواب الجديد.
فى سياق كهذا، من الطبيعى أن يؤدى إصرار الحكومة على مناقشة وإصدار قوانين تتعلق بالصكوك أو بمنطقة قناة السويس قبل تشكيل مجلس النواب الجديد إلى طرح تساؤلات حائرة حول حقيقة الدوافع الكامنة وراء هذا التسرع، وإثارة شبهات تشكك فى نوايا النظام الحاكم، بل فى صدق توجهه الوطنى. ولا أريد أن أتوقف هنا أمام مشروع الصكوك الخطير، الذى تم إقراره رغم اعتراض الأزهر وجهات فنية كثيرة عليه، لكننى أريد أن أتوقف هنا أمام «مشروع قانون منطقة قناة السويس»، الأكثر خطورة، لأنه مازال فى طور الإعداد ولم يتم إقراره بعد. فهو مشروع يستهدف فى ظاهره وضع منطقة قناة السويس على خريطة التنمية والاستثمار لمضاعفة الدخل المتحصل منها عدة مرات، ومن ثم يتعين الترحيب به، لكنه يحتوى فى باطنه على مخاطر عديدة تهدد الأمن وتضرب السيادة الوطنية فى الصميم. ويكفى أن أسترشد هنا بتقييم المستشار طارق البشرى، الذى لا يمكن تصنيفه باعتباره معارضا لجماعة الإخوان المسلمين أو لتيار الإسلام السياسى، لندرك مدى خطورة مشروع القانون المطروح للمناقشة. فالمستشار البشرى يرى أن هذا المشروع سيؤدى، فى حال إقراره، إلى: «إعلان استقلال إقليم قناة السويس عن الدولة المصرية»، و«تحويل هذا الإقليم إلى ملكية خاصة لأعضاء الهيئة العامة التى ستتولى إدارته» و«منح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة بعيدا عن أى رقابة فى كل ما يتعلق بإدارة هذا الإقليم». وأظن أن هذا التقييم يكفى لرفضه جملة وتفصيلا.
فى غياب ظرف استثنائى يبرر عرض «مشروع قانون إقليم قناة السويس» على مجلس الشورى بتشكيله الحالى لا يمكن التعامل أبدا مع هذا المشروع باعتباره «تشريع ضرورة»، لأنه فى الحقيقة والواقع أحد «تشريعات التمكين»!
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"