انسحاب البرادعي

"انسحاب البرادعي"

"انسحاب البرادعي"

 تونس اليوم -

انسحاب البرادعي

حسن نافعة

هذا المقال كتبته منذ 19 شهراً عن انسحاب الدكتور محمد البرادعى من انتخابات الرئاسة، ونُشر فى «المصرى اليوم» بتاريخ 16 يناير 2012، وأجد من الملائم فى ظل الظروف الراهنة إعادة نشره. «كيف نقرأ قرار الدكتور محمد البرادعى بالانسحاب من معركة الانتخابات الرئاسية؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتوقف أولاً أمام الأسباب المعلنة فى البيان الذى أصدره حول هذا الموضوع، قبل أن نحاول قراءة ما قد يكون مختفياً وراء السطور أو بينها. بدأ الدكتور البرادعى بيانه بتوجيه انتقادات حادة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث وصفه بأنه «ربان تولى قيادة السفينة دون اختيار من ركابها، ودون خبرة له بالقيادة، وأخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة، ونحن نعرض عليه شتى أنواع المساعدة، وهو يأبى إلا أن يمضى فى الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظاماً لم يسقط». وبعد أن عدد مظاهر فشل الربان الذى «أدخلنا فى متاهات وحوارات عقيمة فى حين انفرد هو بصنع القرارات بأسلوب ينم عن تخبط وعشوائية فى الرؤية، ما فاقم الانقسامات بين فئات المجتمع بدلاً من لم شمل الأمة فى عملية سياسية منظمة ومتفق عليها»، وصل إلى نتيجة مفادها «أن العشوائية وسوء إدارة العملية الانتقالية يدفعان البلاد بعيداً عن أهداف الثورة، ما يشعرنا جميعاً بأن النظام السابق لم يسقط». ورغم اعتراف الدكتور البرادعى بأن ما يحدث فى مصر ليس استثناء، لأن «دروس التاريخ تعلمنا أن الثورات العظيمة كلها تمر بمثل هذه الانخفاضات والارتفاعات لكنها فى النهاية تصل إلى بر الأمان»، إلا أنه خلص إلى أنه «لا يجد لنفسه موقعاً داخل الإطار الرسمى يتيح له خدمة أهداف الثورة، بما فيها موقع رئيس الجمهورية الذى يجرى الإعداد لانتخابه قبل وجود دستور يضبط العلاقة بين السلطات ويحمى الحريات، أو فى ظل دستور تلفق مواده فى أسابيع قليلة»، ومن ثم قرر عدم الترشح لمنصب الرئاسة. واختتم «البرادعى» بيانه مؤكداً أن قراره هذا «ليس انصرافاً من الساحة، بل استمرار لخدمة هذا الوطن بفاعلية أكبر، من خارج مواقع السلطة ومتحررا من كل القيود». قراءة ما بين سطور هذا البيان تقودنا إلى أن الدكتور البرادعى: ١- أيقن أن فرصه فى الفوز بالمقعد الرئاسى باتت ضئيلة تماماً إن لم تكن معدومة. ٢- يدرك أن قطاعات كثيرة من الشعب، خاصة بين صفوف الشباب، تمر بفترة إحباط شديد بسبب الطريقة التى أديرت بها المرحلة الانتقالية حتى الآن. ٣- يعترف بخسارته وعجزه عن قيادة قطار التغيير، ثم عن توجيه مساره نحو الهدف المنشود، لكنه يحاول إلقاء اللوم على المجلس العسكرى وحده، ويستثنى نفسه من أى نقد ذاتى. ٤- يريد أن يحجز لنفسه مقعداً فى حافلة الموجة الثانية للتغيير، وربما يقوم بتشكيل حزب جديد يجمع فيه شباب الثورة والقوى المحبطة. لا شك أن قرار الدكتور البرادعى ينم عن ذكاء سياسى لشخصية تريد لعب دور البطولة دون أن تكون مستعدة لدفع أى من أثمانها الباهظة. ولأن الدكتور البرادعى يرى نفسه فوق الجميع ومختلفاً عن الجميع، فهو يتصرف دائماً كأنه ينتظر من الجماهير أن تصعد هى إليه لتهتف باسمه قبل أن تحمله فوق أعناقها وتسير به لتجلسه على مقعد الرئاسة، لكن لم يخطر بباله قط أن المفروض أن ينزل هو إلى الجماهير وأن يطوف بنفسه بالقرى والنجوع ليقنعها بجدارته لقيادة الأمة، فنجاح أى شخص فى إدارة مؤسسة دولية كبيرة أو فى الحصول على جائزة نوبل ليس كافياً لإقناع الجماهير بهذه الجدارة، وعليه أن يثبت أنه أهل لها بالاحتكاك المباشر بالناس وليس بإرسال «تغريدات» عبر موقعه الإلكترونى. لم يكن قرار الدكتور البرادعى بالانسحاب مفاجئا لكثيرين، ولا أذيع سراً إن قلت إننى حضرت نقاشاً مع مجموعة من أقرب المقربين له انتهى إلى نتيجة مفادها أن فرص البرادعى فى الفوز بالمقعد الرئاسى باتت ضئيلة جداً لسبب أساسى، وهو أنه لم يقم بما كان يتعين عليه القيام به، وبالتالى فمن الأكرم له أن ينسحب من السباق، بل وصل الأمر إلى حد أن البعض اقترح تشكيل وفد مصغر لمقابلته وإقناعه بالانسحاب! رغم الانتقادات التى وجهتها لـ«البرادعى» فى مناسبات مختلفة، استخلصتها من واقع خبرتى واحتكاكى المباشر به، إلا أننى كنت ومازلت على قناعة تامة بأنه شخصية محترمة وأمينة وجادة، غير أن هذه الصفات وحدها لا تكفى لتصنع منه زعيماً أو قائداً سياسياً. وإذا كان يرغب فى لعب دور سياسى فى المستقبل فعليه أن يبدأ من الآن بتقييم تجربته السياسية السابقة، خاصة مع الجمعية الوطنية للتغيير، وأن يخضع سلوكه الشخصى والعام لعملية نقد ذاتى لاستخلاص الدروس المفيدة. وأظن أن عليه أن يدرك أن قيادته لحزب فى المستقبل يجب أن تتم بمنهج مختلف عن منهجه فى التعامل مع الجمعية الوطنية للتغيير، وإلا فالفشل الكبير ينتظره مرة أخرى. قرار الانسحاب الآن من السباق الرئاسى قرار ذكى لكنه يعكس، كالعادة، اختيار الحلول السهلة بدلا من المواجهة والتحدى، وهو قرار لا يكفى وحده لتمهيد الطريق أمام دور سياسى ناجح فى المستقبل.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انسحاب البرادعي انسحاب البرادعي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia