الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل

الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل

الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل

 تونس اليوم -

الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل

حسن نافعة

لماذا حرص باراك أوباما على أن تكون إسرائيل هى أول دولة يقوم بزيارتها، عقب فوزه بولاية ثانية فى انتخابات الرئاسة الأمريكية؟ يضاعف من أهمية طرح هذا السؤال، فى تلك اللحظة تحديداً، أن العلاقة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلى كانت ولا تزال متوترة. فـ«أوباما» لم يخف أبداً شعوراً بالازدراء تجاه بنيامين نتنياهو الذى يرى فيه خطراً حتى على أمن إسرائيل نفسها. أما نتنياهو فلم يكتف بمبادلة أوباما نفس الشعور، وإنما أصر على تحديه وإفشال خططه، وذهب إلى حد الإفصاح عن أمله فى عدم فوز أوباما بفترة ولاية ثانية، والإعلان عن تأييده صراحة لمنافسه ميت رومنى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، مخالفاً بذلك كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المستقرة. لقد حاول البعض أن يقلل من أهمية ومغزى زيارة أوباما الأخيرة إلى إسرائيل، إلى درجة أن كاتباً أمريكياً شهيراً ومطلعاً، فى حجم توماس فريدمان، وصفها بـ«الزيارة السياحية». أما البعض الآخر فقد راح، على العكس، يبالغ فى أهميتها إلى حد اعتبارها تحدياً لنتنياهو فى عقر داره، مستدلاً فى ذلك على حرص أوباما على إلقاء خطابه الرئيسى أمام شباب الجامعات وليس أمام الكنيست. وقد ذهب السفير إيهاب وهبة، مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق، إلى حد وصف خطاب أوباما أمام شباب الجامعات فى إسرائيل بأنه «خطاب تحريضى من الطراز الأول»، حيث رأى فيه محاولة لتجاوز نخبة سياسية إسرائيلية باتت تشكل عقبة فى طريق السلام، وأتاح له فرصة جديدة لإعادة تأكيد حرصه على دعم عملية السلام مع الفلسطينيين، وإصراره على إنجاحها والوصول بها إلى غايتها النهائية بقيام دولة فلسطينية فى حدود 1967!! غير أننى لا أنظر إلى هذه الزيارة على هذا النحو، ففى تقديرى أن الرئيس أوباما لم يذهب إلى إسرائيل للقيام بجولة سياحية، لأنه لا يُتصور عقلاً أن يعجز الرئيس الأمريكى عن العثور على مكان يصلح لهذا الغرض سوى دولة تقودها شخصية متمردة لا يستريح لها. وفى تقديرى أيضاً أن أوباما لم يذهب إلى إسرائيل لمجرد التعبير عن استمرار التزامه بعملية السلام، لأنه أول من يدرك أن شروط تحقق تسوية شاملة وعادلة فى هذه اللحظة ليست قائمة، أو لتأليب الرأى العام الإسرائيلى ضد نخبته الحاكمة والضغط عليها لتبنى مواقف أكثر مرونة، لأنه أول من يدرك أن المزاج العام فى إسرائيل يتجه نحو التشدد ويتبنى مواقف أقرب إلى اليمين المتطرف.. لذا أعتقد أن الرئيس الأمريكى سارع إلى الذهاب إلى إسرائيل فور إعادة انتخابه لولاية ثانية لبحث ملفين يرتبطان عضوياً ويشكلان معاً محور الصراع الاستراتيجى الدائر فى تلك اللحظة للهيمنة على المنطقة، وأقصد هنا: ملف الأزمة السورية وملف إيران النووى. ولأن أوباما يدرك تمام الإدراك أن إسرائيل لاعب أساسى فى كلا الملفين، فقد بدا شديد الحرص على أن يكون التنسيق الأمريكى- الإسرائيلى فيما يتعين اتخاذه بشأنهما تاماً وكاملاً، وألا يسمح لأى اعتبارات أخرى، سوى ما تفرضه المصالح الاستراتيجية العليا للبلد الذى يقوده، بأن تفسد هذا الأمر أو تنال منه. لذا لم يتردد أوباما فى أن «يعصر على نفسه ليمونة»، كما يقولون، وأن يذهب إلى نتنياهو فى عقر داره لوضع النقاط فوق الحروف، وهو ما حرص نتنياهو بدوره على استغلاله وتوظيفه لصالحه الشخصى ولصالح الدولة العبرية إلى أقصى حد. يبدو أن السذاجة تصل بالبعض أحياناً، ربما بحكم الخبرة التاريخية العربية التى تلعب فيها الاعتبارات الشخصية دوراً حاسماً فى صنع السياسات- إلى حد الاعتقاد بأن شعور «عدم الاستلطاف» القائم حالياً بين أوباما ونتنياهو لا بد أن يصب حتماً لصالح القضايا العربية ويدفع فى اتجاه زحزحة الموقف الأمريكى بعيداً عن إسرائيل.. غير أن النتائج التى أسفرت عنها زيارة أوباما الأخيرة إلى إسرائيل أكدت أن مثل هذا الاعتقاد مجرد وهم كبير، وأن السياسات الأمريكية والإسرائيلية تصنعها مؤسسات لا تتأثر بالاعتبارات الشخصية إلا فى أضيق الحدود. وللتأكد من هذه الحقيقة، دعونا نحاول إعادة تمحيصها فى ضوء ما أسفرت عنه هذه الزيارة من نتائج يمكن استعراضها على النحو التالى: ففيما يتعلق بقضية الصراع العربى- الإسرائيلى: يلاحظ أن الموقف الذى عبّر عنه أوباما لم يكن فقط منحازاً إلى إسرائيل، ولكنه بدا أكثر تطابقاً معه من أى وقت مضى. صحيح أن أوباما تفوَّه بعبارات يفهم منها استمرار التزامه بحل الدولتين، وتحدث عن الاستيطان باعتباره عقبة فى طريق السلام، واعتبر أن حدود 1967 هى أساس التفاوض على الأرض، مع التسليم بمبدأ التبادل على الجانبين، لكنه: 1- لم يقم بزيارة ضريح عرفات فى رام الله، رغم حرصه على زيارة ضريح هرتزل ورابين والمتحف اليهودى ونصب المحرقة فى إسرائيل، ورفض استقبال عائلات أسرى فلسطينيين فى السجون والمعتقلات الإسرائيلية. 2- طالب الفلسطينيين باستئناف التفاوض دون اشتراط وقف بناء المستوطنات، والاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية»، كما طالب الدول العربية بتطبيع علاقتها مع إسرائيل دون انتظار لإتمام الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى العربية المحتلة. 3- أعاد التزام الولايات المتحدة بأمن ورفاهية إسرائيل دون ربط هذا الالتزام بموقفها من التسوية. 4- لم يطرح أى تصور أو جدول زمنى لهذه لتسوية. لذا بدا حديث أوباما عن القضية الفلسطينية أقرب ما يكون إلى حملة علاقات عامة. أما فيما يتعلق بالملفين السورى والإيرانى، فمن المؤكد أن زيارة أوباما أدت إلى تجسير الفجوة بين الطرفين حول كيفية التعامل معهما، مع الأخذ فى الاعتبار أن الموقف الأمريكى هو الذى تحرك أكثر فى اتجاه الموقف الإسرائيلى، وليس العكس. دليلنا على ذلك ما يلى: 1- تصريح نتنياهو عقب الزيارة بأنه أصبح أكثر اقتناعاً بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووى مهما كانت العواقب. 2- تأكيد أوباما أكثر من مرة على أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها الخيار العسكرى. 3- الإصرار على إسقاط نظام بشار الأسد، مع الحرص فى الوقت نفسه على ألا يشكل النظام البديل أى تهديد لأمن إسرائيل، وعلى تجنب سقوط مخزون السلاح الكيماوى فى أيدى عناصر أو أطراف معادية لإسرائيل. فى سياق كهذا يبدو واضحاً أن الفجوة بين الموقفين الأمريكى والإسرائيلى حول كيفية التعامل مع الملفين السورى والإيرانى، والتى بدت متسعة من قبل، بدأت تضيق تدريجياً إلى أن كادت تتلاشى تماماً بعد زيارة أوباما الأخيرة لإسرائيل. فقبل هبوب رياح «الربيع العربى» كان قلق إسرائيل المتزايد من برنامج إيران النووى يدفعها لتكثيف الضغط على الولايات المتحدة للتعجيل بضربة عسكرية استباقية لإجهاضه، ووصلت محاولات الابتزاز حداً دفع بإسرائيل إلى التهديد بتوجيه ضربة عسكرية منفردة لإيران إن لزم الأمر. ورغم تفهمها مبررات القلق الإسرائيلى إلا أن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لمسايرة الموقف الإسرائيلى حتى النهاية لسببين: الأول أنه لن يكون بمقدور إيران تصنيع قنبلة نووية، بافتراض توافر النية لديها، قبل سنوات، وبالتالى فهناك متسع من الوقت قبل استنفاد آفاق الحلول السياسية وجدوى الضغوط الاقتصادية، والثانى: أن التعجيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران قد يؤدى إلى تعطيل برنامجها النووى لكنه لن يقضى عليه، وأن رد فعل إيران وحلفائها قد يكون مؤثراً لا على المصالح الأمريكية وحدها ولكن على أمن إسرائيل أيضاً. ورغم تزايد قلق إسرائيل والولايات المتحدة مع هبوب رياح «الربيع العربى»، بسبب فقدانهما معاً أنظمة حليفة فى العالم العربى، إلا أنه بمرور الوقت، ومع تعثر إقامة أنظمة ديمقراطية بديلة قادرة على انتهاج سياسات مستقلة، بدأت المخاوف تقل، بل بدأت تلوح فرص جديدة قابلة للاستغلال لإسقاط برنامج إيران النووى، دونما حاجة إلى توجيه ضربة عسكرية أو على الأقل لتقليل الخسائر المحتملة الناجمة عن هذه الضربة إلى أدنى حد ممكن، خاصة بعد اشتداد الأزمة السورية. للتعرف على الجزء الغاطس من زيارة أوباما الأخيرة لإسرائيل، علينا أن نُدخل فى الاعتبار أمرين على جانب كبير من الأهمية. الأمر الأول: الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع أوجلان لوقف أعمال المقاومة المسلحة من جانب حزب العمال الكردستانى، وهو ما قد يشكل بداية جادة لتسوية الأزمة الكردية. والأمر الثانى: تمكن أوباما من إقناع نتنياهو بتقديم اعتذار رسمى لتركيا بسبب هجومها المسلح على سفينة مرمرة، وهو ما من شأنه إعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى طبيعتها. ومثلما كانت تركيا هى رأس الرمح فى تأجيج الصراع داخل سوريا، ستكون تركيا أيضاً هى رأس الرمح فى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة الرامية لمحاصرة إيران ودفعها للتخلى عن برنامجها النووى، إما بالوسائل السلمية أو بالوسائل العسكرية إن لزم الأمر. وأظن أن زيارة أوباما الأخيرة لإسرائيل تدخل فى إطار الترتيب لأوضاع المنطقة فى مرحلة ما بعد سقوط نظام حافظ الأسد. ولأن العالم العربى يبدو غائباً أو مغيباً تماماً فى تلك اللحظة، فمن المتوقع أن تحصل كل من تركيا وإسرائيل على نصيب الأسد فى مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، وهى المرحلة التى يمكن أن نطلق عليها حقا «مرحلة ما بعد سايكس بيكو».  نقلا عن جريدة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل الظاهر والغاطس فى زيارة أوباما لإسرائيل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia