حسن نافعة
لعبت المرأة المصرية دوراً رائعاً فى ثورة 25 يناير المصرية، شهد له العالم كله واعتبره واحداً من أهم أسباب نجاح وتألق هذه الثورة، فلم تتردد المرأة المصرية فى الوقوف مع الرجل جنباً إلى جنب ونزلت إلى الشوارع والميادين تتحدى النظام القديم وتهتف بسقوطه، وتبذل الجهد والعرق والدم فداء لوطن عانى الكثير من الذل والمهانة كى ينعم أخيرا بالحرية والكرامة. وعندما نتحدث عن مشاركة المرأة المصرية فى الثورة فإننا نقصد المرأة ككل: الجدة والأم والزوجة والفتاة، بل الطفلة أيضا، فقد كان الجميع على استعداد للعطاء بلا حدود، ففى أيام الثورة العظيمة لم نسمع عن رجل ينهر زوجته أو ابنته أو يحاول منعها من التظاهر بحجة غياب الأمن فى الميادين أو احتمال التعرض للاعتداء أو للتحرش الجنسى. وقد سمعت بأذنى، خلال تلك الأيام التى لا تنسى من تاريخ مصر، رجلا بسيطا كان متواجدا مع كامل أسرته فى ميدان التحرير وهو يقسم لصاحبه الذى كان يحث ابنته على العودة إلى المنزل قبل هبوط الظلام، مؤكدا له أن ميدان التحرير لا يقل أمناً وأماناً عن منزله نفسه وأنه لا يخشى على ابنته حتى من المبيت مع زملائها وزميلاتها فى قلب الميدان الذى لن يغادره قبل رحيل مبارك.
رحل مبارك، غير أن نظامه بقى دون أن يمسسه سوء. صحيح أن جلده تغير، لكن روحه الفاسدة ظلت على حالها، وصحيح أيضا أن جذوة الثورة لم تنطفئ، غير أن الشعب الذى فجرها، وأذهلنا بسلوكه المتحضر فى تلك الأيام الخوالى الخالدة، لم يعد هو نفسه الشعب الذى نشعر اليوم بالأسى على حاله بعد أن امتلأت الميادين والشوارع بالبلطجية وبدأت تظهر فيها فرق تحرش ممنهج بالنساء. وقد شاهدت منذ أيام حلقة مسجلة لأحد البرامج الحوارية شاركت فيها شابات مصريات تعرضن للتحرش وروين وقائع يندى لها جبين كل مصرى، فأصابنى ما يشبه الذهول. ولأن هذه الوقائع كانت تكفى لزلزلة الأرض من تحت أقدام الحكومة فى كل مؤسسات الدولة، فقد كانت صدمتى كبيرة فى مجلس الشورى، الذى تعامل مع هذه الظاهرة البشعة باستخفاف يصل إلى حد التواطؤ.
فقد ذكرت تقارير صحفية بالأمس أن لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى عقدت اجتماعا لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسى للفتيات فى المظاهرات والميادين العامة. وبدلا من أن يوجه أعضاء مجلس الشورى تحية حارة لنساء مصر على ما قدمن من عطاء لثورة أتت بهم إلى القبة، ويسارعوا باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهن، إذا بهم يوجهون لهن اللوم ويعتبرونهن مسؤولات عما حدث لأنهن «لم يقمن باتخاذ خطوات احترازية لمنع إصابتهن بالأذى». أما الحل من وجهة نظر هؤلاء الأعضاء المحترمين فيكمن فى «تخصيص أماكن لتظاهر النساء» أو «عدم ذهابهن أصلا إلى هذه الأماكن غير الآمنة». بل قال أحدهم بالحرف الواحد: «اللى نازلة عارفة إنها وسط بلطجية وشوارعية يجب أن تحمى نفسها قبل أن تطلب من الداخلية ذلك»، واعتبرها مسؤولة «بنسبة 100 %» عما يحدث لها!!.
لا شك عندى فى أن ظاهرة التحرش التى تعج بها ميادين وشوارع مصر هى امتداد لجهود مستميتة تبذل لقتل ما تبقى من روح الثورة، من خلال تخويف الأم والزوجة والجدة وتحويلهن إلى أداة لردع الشباب ومنعه من مواصلة مسيرة الثورة التى لم تحقق أهدافها بعد. وكان يفترض على من يجلس تحت القبة الآن، لو كانوا نواباً يمثلون الشعب حقاً، أن يتعاملوا مع ظاهرة التحرش الجنسى المتفاقمة اليوم فى مصر باعتبارها جريمة كبرى يتعين التصدى بمنتهى الحزم والشدة ليس فقط مع مرتكبيها، بل ومع كل من يحرض عليها أو يتواطأ لتسهيل ارتكابها، ويصروا على إجراء تحقيق مستقل للكشف عن ملابساتها وإصدار التشريعات الرادعة لمعاقبة المتورطين فيها. غير أن الجالسين تحت القبة اليوم هم أناس ينظرون إلى هذه الجريمة النكراء من منظور تمليه رؤية لثقافة تقليدية قصيرة النظر لا ترى فى علاقة الرجل بالمرأة سوى غريزة يحكمها الجنس، وينسون أنه لولا شجاعة النساء لما وصلوا إلى البرلمان ولما جلسوا تحت القبة.
لذا أضم صوتى إلى صوت المطالبين بضرورة قيام مجلس الشورى بالاعتذار عما بدر من بعض أعضائه فى حق نساء مصر، والذى قد يؤدى من الناحية العملية إلى التحريض على التمادى فى ارتكاب جريمة التحرش الجنسى والانتقاص من حق المرأة فى المشاركة السياسية، كما أطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لدراسة هذه الظاهرة واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لاستئصالها والقضاء عليها تماماً.