أوهام «الانتصارات» عند الممانعة

أوهام «الانتصارات» عند الممانعة

أوهام «الانتصارات» عند الممانعة

 تونس اليوم -

أوهام «الانتصارات» عند الممانعة

وليد شقير

تتعاظم احتفالية إيران والنظام السوري وحلفائه من الميليشيات، لا سيما «حزب الله»، بـ «الانتصارات» وبتغيير موازين القوى على الأرض في سورية وفي سائر ميادين الصراع القائم في المنطقة على طريق محاولة تثمير هذه الحملة في التفاوض والتسويات السياسية، فيما تؤشر هذه الاحتفالية إلى أنها تطلق مرحلة جديدة من الحروب والقتال والتناقضات على امتداد الإقليم.

لا تأبه هذه الاحتفالية بكل الحملة الإعلامية التي انطلقت حيال الحصار اللاأخلاقي المشين لمضايا وغيرها من البلدات في سورية الذي يساهم فيه إلى جانب النظام، سلاح الجو الروسي قتلاً للمدنيين المحاصرين في سائر المدن، ولا إلى انعكاس إفشال المفاوضات في جنيف حول وقف الحرب في اليمن، تصعيداً للحرب فيها وحصد المزيد من الدمار والقتل للشعب اليمني الفقير. وهي لا تأبه أيضاً بكونها تهدف إلى تقويض قراري مجلس الأمن 2254 ومؤتمر الرياض تحضيراً لمفاوضات الحل السياسي، بالنسبة إلى سورية، و2216 بالنسبة إلى اليمن.

لا تعود مشكلة لدى «محور الممانعة» في هذه الحال، أن يعمل على معاكسة القوانين المحلية والعبث بها في بلد صغير مثل لبنان، تحت ضغط فائض القوة، كما حصل أمس في الإفراج- الفضيحة عن المتهم بالتخطيط لتفجيرات تطاول مدنيين وسياسيين ورجال دين، الوزير السابق ميشال سماحة.

فلطالما استهزأت دمشق بشار الأسد وإيران «الحرس الثوري» بالقرارات الدولية وبالقوانين المرعية، وعملتا على معاكستها عبر «الانتصارات الميدانية»، إلا إذا اضطرهما ميزان القوى إلى التسليم بها وظروف محاصرة أي منهما، كما حصل في شأن الملف النووي الإيراني الذي اضطر طهران لأن تقدم التنازلات التي ألح عليها المجتمع الدولي، وكما حصل للنظام السوري حين انسحب من لبنان عام 2005. كما أنها لا تكترث إلى أن هذه الحملة ستقود إلى مزيد من التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية ولا إلى التضامن السياسي الواسع عربياً وإسلامياً مع الرياض ضد تدخل طهران في شؤونها والاعتداء على بعثاتها الديبلوماسية في إيران نفسها. فالقيادة الإيرانية تتجاهل ما صدر عن وزراء الخارجية العرب في القاهرة من إدانات لسلوكها، وستستخف بما يصدر عن الدول الإسلامية في هذا الصدد. بل هي تذهب إلى حد تحريض الغرب على الرياض كما جاء في مقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف لصحيفة «نيويورك تايمز»، من اتهامات للمملكة بأنها وراء الإرهاب.

وإذا كانت هذه الاتهامات تهدف إلى التعمية على جموح التوسع والتمدد الثوري والمس بسيادة الدول وإسقاط الحدود، في السلوك الإيراني، فإن لها مفعولاً مزدوجاً: المساهمة في الموجة العنصرية ضد المسلمين في الغرب وأميركا من جهة، والاستعانة بـ «الشيطان الأكبر» مجدداً في مواجهة الخصوم من العرب والمسلمين، على قاعدة الوهم بأن التفاهم مع واشنطن سيؤدي إلى التسليم بنفوذ القيادة الإيرانية في الخليج على حساب الدور العربي، من جهة أخرى. فالعملية التي قام بها «الحرس الثوري» الإيراني في الخليج باحتجاز بحارة أميركيين ثم الإشادة الأميركية بالإفراج عنهم، اعتبرهما القادة الإيرانيون أمس رسالة إلى السعودية ودول المنطقة عن «القوة» التي تتمتع بها طهران، وعن أن أمن الخليج «في عهدة إيران وليس بمقدور أميركا عدم مراعاة قواعد هذه اللعبة»، كما قال رئيس لجنة الأمن القومي والخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أمس.

تخالف الاحتفالية بالانتصارات حقائق لا تلبث أن تظهر في كل مرة، فلطالما دعا الإيرانيون وحلفاؤهم الخصوم إلى التسليم بانتصار النظام في سورية وحلفائهم الحوثيين في اليمن، حتى عادوا فاستنجدوا بالروس وأكثروا من الصراخ عن «مظلومية» أدواتهم اليمنية وأنها متروكة من سائر دول العالم، بعد أن لقيت الصد من التحالف العربي والشرعية اليمنية. والوقائع أثبتت أن الحرب في سورية كر وفر، وأن تمكن النظام وإيران من استعادة مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، لا سيما المعتدلة، هو محاولة لتكريس الأمر الواقع بتقسيم بلاد الشام بين 3 دويلات، لن تكون قادرة على ضمان مقومات الحياة والديمومة، لأنها سترسم خريطة المرحلة الجديدة من الحروب المقبلة.

حديث الانتصارات وتضخيمها المفتعل في هذه الحال، سيتحول مآزق متتالية تزيد من ارتفاع منسوب الحساسيات المذهبية في المنطقة، وتعاظماً للإنفاق على الحروب والمواجهات المفتوحة. فالذين يوهمون أنفسهم بها ينقطعون عن الواقع ويتخيلون أن ما من خصوم يقفون في مواجهتهم، فيتفاجأون حين يتصدون لهم.

وهكذا دواليك.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوهام «الانتصارات» عند الممانعة أوهام «الانتصارات» عند الممانعة



GMT 13:18 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

مسلسل المشروعات الوهمية لن يتوقف!

GMT 13:16 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

حين يرجع العراق

GMT 13:13 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

حروب الصحافيين

GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia