«العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين

«العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين

«العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين

 تونس اليوم -

«العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين

وليد شقير

يستشعر القيمون على الاقتصاد اللبناني كارثة آتية إذا لم يحصل ما يؤدي الى الخروج من الشلل الحاصل في المؤسسات الدستورية والسياسية، فيجري تحريك بعض العجلة الاقتصادية الجامدة بفعل تعطيل عمل المؤسسات وتجذر الأزمة السياسية في البلد الصغير وتأثيرها في حياة الناس اليومية.

لم يعد استخدام التعطيل في المؤسسات الدستورية من قبل قوى سياسية بهدف فرض خياراتها عامل ضغط على قوى سياسية مناوئة لتلك الخيارات، بل بات مفعوله على الناس العاديين أكثر من مفعوله على تلك القوى لتقبل ما ترفضه. وجعل التعطيل المواطن العادي رهينة بحياته اليومية وقوته وطبابته وتنقله وإنتاجه بالحد الأدنى.

ولعل هذا الاستشعار بالخطورة هو الذي جمع أمس الهيئات الاقتصادية المتهمة بالربح والريعية، مع السمك الصغير المتمثل بالاتحاد العمالي العام والنقابات في تجمع هدف إلى إطلاق صرخة بعنوان «قرار ضد الانتحار»، لمطالبة الطبقة السياسية بالخروج من المراوحة في شل المؤسسات بعد أن اقترب خلو الرئاسة الأولى من الـ 400 يوم. إنها من المرات النادرة التي يجتمع فيها أرباب العمل والعمال، ونقابات المهن الحرة التي تضم شرائح الطبقة المتوسطة المتعددة معاً في صرخة واحدة تطالب بالخروج من حال تعطيل الحكومة ومجلس النواب، بعد الشغور الرئاسي، والسبب هو أنها المرة الأولى التي يبقى فيها لبنان بلا رئيس للجمهورية طوال هذه المدة من الزمن في تاريخ أزماته السياسية التي حالت دون انتخاب الرئيس في سنوات سابقة.

وفي وقت ينوء لبنان تحت حمل أزمة المليون ونصف المليون نازح سوري على أراضيه منذ 4 سنوات، بكل أبعاد هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية التي تتداخل مع بعضها بعضاً لتصنع معضلة لم يسبق لبلد ضئيل الإمكانات، أن عاش مثلها، بات لبنان يعيش وضعاً استثنائياً بالمعنى السلبي: إنه مساحة جغرافية تتجمع فيها عوامل التأزم الإقليمي، بلا إدارة لشؤونه إلا من الزاوية الأمنية. بات الهم محصوراً بمواجهة الإرهاب ومراقبة ما يطفو من الحرب السورية التي تورط فيها حزب لبناني أساسي، نحو أرضه. حتى أن الأمم المتحدة و قيادة القوات المسلحة اللبنانية لم تعودا تجرؤان على إعطاء أرقام عن عدد الجنود الذين اضطرت قيادة الجيش اللبناني الى سحبهم من الجنوب اللبناني الى الداخل للمساهمة في حفظ الأمن لأنه يشكل فضيحة قياساً الى التزامات لبنان تطبيقاً للقرار الدولي 1701 وحفظ الأمن بين مجرى نهر الليطاني والخط الأزرق الفاصل مع إسرائيل.

ومهما تشاطرت القوى السياسية في التنظير لتعطيل المؤسسات، فإن لبنان بات سجين الحلقة المفرغة التي تسبب هذا التعطيل بدءاً بافتعال الشغور الرئاسي. فالتسوية على انتخاب الرئيس تنتظر قراراً إيرانياً بالإفراج عن الرئاسة، المرتبط بدور إيران و «حزب الله» في الحرب السورية، التي لا أفق للحلول فيها. فطهران ما زالت تربط الرئاسة بالخيارات الإقليمية للرئيس، لا سيما حيال سورية، و «حزب الله» ما زال يعتبر أن الدنيا بألف خير بغياب الرئيس وبالتالي يستطيع لبنان أن يبقى على هذا المنوال سنتين أو ثلاثاً أخريات، طالما الأمن ممسوك. أما الاقتصاد فإن طهران والحزب يتعاطيان معه مثلما يتعاطيان مع ما يعتبرانه الصمود الإيراني حيال العقوبات الدولية على طهران بفعل ملفها النووي، ويسقطان حسابات الصمود الإيرانية على الشعب اللبناني من دون أي مراعاة للفوارق بين المجتمعين.

وإذا كان بعضهم اعتبر أن تراجع النظام السوري وفقدانه المزيد من المناطق، وتهاوي جيشه، أسباب كافية لكي تفرج طهران عن الرئاسة في لبنان وعدم رهنها بثبات بشار الأسد، فإن سلوك طهران لا يدل الى نيتها هذه. فهي ترى أن دفع «حزب الله» و «الحرس الثوري» المزيد من القوات الى سورية لتثبيت النظام في بعض مناطق نفوذه بعد تقهقر ميليشياته واستمرار تطابق موقفها مع التمسك الروسي ببقائه، يحميانه من السقوط في أي سعي للتسوية، وبالتالي يتيح من إطالة أمد ربط الرئاسة اللبنانية بالتسوية على سورية.

خلافاً للاعتقاد بأن نظاماً يستعيض بالبراميل المتفجرة عن القتال على الأرض يعني أنه لم يعد قادراً على السيطرة، يتمسك الجانب الإيراني بالقتال الى جانبه وبالتالي يرفض «حزب الله» مجيء رئيس ليس لديه القناعة نفسها، مهما طال الانتظار وتعطلت الحياة في لبنان، وعلى اللبنانيين تحمل هذه «العقوبة».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين «العقوبة» الاقتصادية على اللبنانيين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia