وموقع الشاعر من التبادع

.. وموقع الشاعر من "التبادع" !

.. وموقع الشاعر من "التبادع" !

 تونس اليوم -

 وموقع الشاعر من التبادع

حسن البطل

في مكتبتي دواوين شعراء، لكن ليس فيها "الأعمال الشعرية الكاملة" لأي شاعر مجيداً كان، أو مجدّداً، أو مقلّداً.. لماذا؟

لستُ ناقداً كالزميل عادل الأسطة، لكن أدعي أنني "ذوّاقة" متبدل المزاج!

حصل أن تناولت من مكتبة زميلي الشاعر الراحل فيصل قرقطي "الأعمال الشعرية الكاملة" للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، فقالت لي "ذائقتي" إنه جامد ـ بارد؛ متصنّع ـ متكلّف، خلاف ما كان يقوله ذوّاقو شعره من الطلبة العراقيين في جامعة دمشق.

هل أستعير القول: "لكل زمان دولة ورجال" إلى لكل زمان شعر وشعراء.. وذائقة شعرية، أو ما قاله أديب روسي: "كلنا خرجنا من معطف غوغول"، فإلى: كل الشعراء الحداثيين العراقيين (وغير العراقيين) خرجوا من معطف السيّاب، أو كل الشعراء الفلسطينيين الحداثيين المجدّدين خرجوا من معطف درويش!

للشاعر اللبناني سعيد عقل قول أحكم مما سبق، وهو نظرية "التبادع"، وفحواها: إن لم يتخطاني شاعر شاب قرأني وتأثّر بي، فإنني لست شاعراً مبدعاً حقاً.

يتفق المجدّدون ـ المجيدون من شعراء العربية على تمجيد أبو الطيب المتنبي، وبخاصة قوله: "على قلق كأن الريح تحتي".

في هذا الزمان العربي القلق، الذي بدأ "القلقلة" بالنكبة الفلسطينية، لدينا شعراء وأدباء صاروا ما ندعوه في خطابنا السياسي بخاصة "رموزنا الثقافية".

في الأدب، مثلاً، هناك سميرة عزام، جبرا إبراهيم جبرا، غسان كنفاني، إميل حبيبي.. وآخرون في الشعر الفلسطيني، مثلاً، راشد حسين، توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم.. وآخرون.

في رحيل سميح، الذي صادف شهر رحيل محمود، ما يغري بالمصادفة المحضة، لكن ليس فيها ما يغري، حقاً، برثاء الشاعر كأنه رثاء للشعر الفلسطيني. لماذا؟

الثلاثة صعدوا مجد الشعر بالاتكاء على الجرح الفلسطيني بعد النكبة، وقبل الثورة وإبّان الثورة، أي الشعر الوطني "المقاوم".

لا داعي للاستشهاد، لكن زمان "سجل أنا عربي" و"منتصب القامة أمشي" قادهم إلى زمان الشعر الحقيقي: الجماليات والغنائيات.. وفلسفة الوجود والحياة.. وربما "سان ـ جون بيرس"!

أعرف أن مؤرخاً إغريقياً قال: "كل عربي تاجر"، لكن ينسبون إلى آخر قوله: كل عربي شاعر.. وسأقول: في كل شاعر شاب فلسطيني شيء من توفيق، محمود، سميح.. لكن في شعر كل منهم جماليات وغنائيات (أي شعرا حقيقيا) وبعضه يفوق ما في "أئمة" و"رموز" الشعر والأدب الفلسطيني.

الشعراء الحقيقيون (والأدباء) وقفوا أمام سؤال/ جواب الموت بما يذكّر بوقفة الشاعر مالك بن الريب، سواء أكانوا عرباً (السوريان سعد الله ونوس، ممدوح عدوان) أو فلسطينيين (محمود درويش، سميح القاسم).

حصل، في أول اجتماع مقلّص لتكريم عودة درويش، وكان في متنزه البردوني ـ رام الله، أن ضاق صدري من المديح المفرط على لسان البعض، فصرخت صرخة درويش: "ارحمونا من هذا الحبّ القاسي".. ولكن بهذه الصياغة: "درويش ليس لحاء الشجرة (الفلسطينية) ولا خشبها (سيللوزها) بل هو حياتها ونسغها بين الخشب واللحاء".
مع هذا، اختلفت مع درويش في شعره وشخصه، منذ قال في بيروت (قصيدة الأرض): "هل تدور الأرض في فراغ لا يموت" ووجدت كلمة "لا يموت" زائدة.

وبالفعل، حذفها درويش من طبعة ديوانه. الخلاف الثاني عندما نشرت في "فلسطين الثورة" مقطعاً من شعره يقول: "إما الصعود وإما النزول" ونشرت المقطع كما في الأصل، لكن جعلت العنوان "إما الصعود.. وإما الصعود".. ثارت ثائرة درويش، ثم نشر التعديل في ديوان شعر.

ماذا عن سميح؟ ليس لي سوى لقاء عابر معه في نيقوسيا، وكانت لي فيها قراءة أخرى لقصيدته: "هو ديني الساحر" من حيث ترتيب الأبيات، وحذف أبيات، فقال لي: أنت تفهم .. حتى في الشعر؟

للعلم، قرأت قصة "هو ديني الساحر" في المختار من "ريدرز دايجست"، وكان ساحراً يهودياً، قيل إنه اختفى ومات في لعبة سحر في الماء، وقيل إنه تخفّى بتواطؤ مع امرأة حاكم وغيّر اسمه وتزوّجها!

بعد أوسلو سخر القاسم واستهجن عبارة في خاطرة لي تقول: السلام عندما تباع "فلسطين الثورة" في أكشاك شارع ديزنغوف ـ تل أبيب، فاستهجنت وسخرت من تعقيبه الساخر.. وهكذا تدخلت تونس (القيادة) لأن القاسم "من رموزنا الثقافية"!

ما أريد قوله إن لدينا جيلا مجدّدا من الشعراء الشباب فيهم البركة، وبعضهم خرجوا من "معطف" شعراء المقاومة العظام، لكن شعرهم جمالي وغنائي أكثر من الآباء.. لأن نظرية "التبادع" هي قانون الشعر!
من قال منهم: "شعبنا ليس بعاقر" كأنه قال: شعراؤنا ليسوا يتامى بعد درويش والقاسم!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 وموقع الشاعر من التبادع  وموقع الشاعر من التبادع



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia