حسن البطل
الزوج فلسطيني مسيحي، الزوجة صينية.. والصورة؟ "سجدة" إسلامية للزوجين تحت أقدام الأب والأم الفلسطينيين والصينيين!
هذه صورة عاد بها صديقي من رحلته السنوية إلى قارة الصين لزيارة نجله الأكبر، الذي يعمل في البرمجيات المتقدمة!
الصور السياسية، لزيارة متتالية ـ شبه متزامنة، للرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي أقل (أو أكثر) غرابة. كيف؟ الصين منحت الرئيس عباس "زيارة دولة" ومطلبه السياسي ثم التجاري ثم التكنولوجي، وستمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مطلبه التجاري ثم التكنولوجي ثم السياسي. كيف؟
مبادئ السلام الصينية لفلسطين وإسرائيل أربعة، يتقدمها "دولة فلسطين المستقلة" و"عاصمتها القدس الشرقية" ثم التفاوض طريقاً وحيداً للسلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ثم "الأرض مقابل السلام" وفق المرجعيات ذات الصلة (قرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية).. وأخيراً، واجب المجتمع الدولي في دفع عملية السلام، وواجب الصين في مساعدة فلسطين في مجالات التبادل الاقتصادي والتكنولوجي.
في طيّ كلّ مبدأ من المبادئ الأربعة، هناك التفاتة إلى "حق إسرائيل في البقاء" وهمومها الأمنية، وواجبها في وقف البناء الاستيطاني.
على الأغلب، ما هو أوّلي وأساسي في المبادئ الأربعة المؤيدة لفلسطين، سيصير أوّليا في مراعاة الصين لاحتياجات إسرائيل الأمنية، وتوسيع التبادل التجاري ونقل الخبرة التكنولوجية.
واضح، حتى من الإشارة الصينية إلى أن زيارة الرئيس الفلسطيني هي الرسمية الكاملة الأولى، بعد انتخاب أمين عام للحزب الحاكم، أن الصين، هذه الدولة ـ الكتلة الأكبر في القارة الأكبر، أقرب إلى فلسطين سياسياً، وإلى إسرائيل اقتصادياً، وإلى "السلام الدولي" للدولتين معاً.
طريق الحرير القديم والتوابل، الذي يبدأ من الصين إلى ساحل المتوسط ثم أوروبا، صار طريق التكنولوجيا، علماً أن الصين العريقة كانت تكنولوجيتها هي الأولى عالمياً قبل قرنين أو ثلاثة، وها هي تعود لتخلف اليابان وتسبق أوروبا، وتُجارِي في السباق أميركا في مجال الاقتصاد الأكبر والتكنولوجيا الواعدة.
في آسيا، عملاقة القارات، ثلاث أو أربع من الدول ـ المردة: اليابان، روسيا، الهند، والصين.. سوى أن اليابان، مع الاحترام للساموراي الغابر، هي مثل حيوان اقتصادي، وروسيا مثل حيوان عسكري، والهند حيوان سياسي ديمقراطي.. وأما الصين فهي الحيوان (التَـنِّين؟) الاقتصادي ـ العسكري.. والآن السياسي.
كانوا، غداة الحرب العالمية الثانية، يقولون: "الروس قادمون" وطوال نصف قرن بعدها "اليابانيون قادمون".. والآن "الصينيون قادمون"!
لاحظ توماس فريدمان، معلّق "نيويورك تايمز" أن معظم الطلبة الأجانب في أميركا هم صينيون، ومعظم المتفوقين فيها هم طلبة صينيون.. ومعظم "الغزو" التجاري الأجنبي لأميركا يأتي من مروحة صناعات صينية من أبسطها إلى أعقدها تكنولوجياً.
هناك من قال: يكفي أن تضع في أيدي الصينيين رسوماً هندسية لأعقد الصناعات التكنولوجية، حتى يقوم الصينيون، مهرة صناعة العاج، بتجميعها وإنتاج بديل رخيص لها يتم تصديره.
وكانوا يقولون: مستقبل آسيا هو سباق بين الصين والهند على "صحن أرز" لكل واحد.. إلى سباق بين تكنولوجيا بلاد الحزب الواحد وتكنولوجيا بلاد أحزاب ديمقراطية.
صبر الصينيون صبر أيوب حتى استعادوا "جوهرة هونغ كونغ" سلماً، ولديهم صبر أطول حتى يستعيدوا فرموزا، تحت شعار: بلد واحد ونظامان اقتصاديان.. صحيح أن الصين عملاقة دول العالم سكانياً (حتى مع ضبط ابن واحد للعائلة الواحدة) لكنها، أيضاً، بلاد القومية الأكبر في العالم، حيث قومية "الهان" تشكل أكثر من نصف سكان الصين. لا يوجد في العالم قومية ـ إثنية من 700 مليون.
ماذا عن فلسطين والصين؟ صحيح أن الرسول قال: "اطلبوا العلم ولو في الصين" (والآن: التمسوا السلام ولو من الصين!) لكن الفلسطينيين، قبل تشكيل منظمة التحرير، التمسوا خبرة الحرب الشعبية من الصين (وفيتنام) ثم انشقّ مثقفو الثورة الفلسطينية بين "الطريق السوفياتي" و"الطريق الصيني" وقت نزاع أيديولوجي بين البلدين.
الآن، يمتد القوس الصيني ـ الروسي من سواحل المحيط الهادي حتى وسط أوروبا (الجغرافيون يقولون: قارة أوراسيا) في سباق العصر مع الكتلة الأطلسية (أوروبا ـ أميركا).
لم يعودوا يقسّمون العالم بين الأحلاف العسكرية، ولا بين عالم أوّل وثان وثالث، منذ النهضة اليابانية فالصينية، فأميركا الجنوبية، وبوادر النهضة الأفريقية، وحتى من مخاض ـ فوضى "الربيع العربي"، فإن الحضارات القديمة تتجدّد.
نقلا عن جريدة الايام