بماذا يعود السائح إلى أميركا؟ ربما بمجسم صغير لتمثال الحرية؛ ومن مصر يعود بأهرامات صغيرة؛ ومن فرنسا مصغّر لبرج إيفل... إلخ!
.. ومن فلسطين؟ ربما بزجاجة زيت زيتون بكر، أو بكيلو من تمر "المجهول" الفاخر... وربما بكيس زعتر فوّاح من قلقيلية أو أريحا ونباتاتها العطرية!
لا حاجة لزائر فلسطين أن يقتني كتاب صائب عريقات: "الحياة مفاوضات" (وليس المفاوضات حياة!).
لو زار الفلسطيني "بلاد الموسكوب" سيعود بأشهر لعبة أطفال، خشبية وملوّنة، تسمى هناك "ماتر يوشكا" ولعلها "الأم" باللغة الروسية. إذا فتح اللعبة الكبيرة المجوّفة سيجد أخرى صغيرة ومجوّفة أيضاً.. إلى أن يصل إلى اللعبة الأصغر الصمّاء.
هل تشبه هذه الـ "ماتر يوشكا" لعبة تسمى "المفاوضات" تبدو الحياة السياسية الفلسطينية مفاوضات طيّ مفاوضات، قبل وبعد انقطاع عابر من الحروب والانتفاضات!
أولاً: خماسية أعضاء من ل/م "فتح" ستفاوض، مباشرة، "حماس" في القاهرة، اليوم، ظاهراً وعاجلاً حول تسهيل مهام "حكومة الوفاق"، وفي الأساس حول جواب السؤال الفلسطيني ـ الفتحاوي: هل "حماس" جزء من المشروع الوطني الفلسطيني، أم، وأولاً، فرع من حركة الإخوان المسلمين؟ "فتح" تقرّ وتعترف بأن "حماس" جزء من المجتمع الفلسطيني والشعب.
ثانياً: من مفاوضات فصائلية، إلى مفاوضات، غير مباشرة، بين الفريقين الفلسطيني والإسرائيلي حول ما بعد وقف إطلاق النار في الحرب الثالثة، ومكانته في رفع الحصار، وإعادة إعمار قطاع غزة.
ثالثاً: ستفاوض فلسطين، بدعم من مصر والنرويج، الدول المانحة في مؤتمر القاهرة، الشهر المقبل، حول خطط أعدّتها حكومة السلطة لإعادة إعمار غزة، بإشراف من حكومة الوفاق، وبتنفيذ من "الأونروا" أو أي جهاز دولي آخر يتم تشكيله.
رابعاً: سنذهب إلى المبنى الزجاجي للأمم المتحدة، حيث سيطرح رئيس السلطة على هذا المحفل الدولي خطة مراحل يفترض أن يكون ختامها قراراً يصدر من مجلس الأمن حول تحديد "سقف زمني" لإنهاء احتلال طال.
إذا "خرست" الولايات المتحدة وابتلعت لسانها، أو لم ترفع سيف "الفيتو" فقد يحرز مشروع فرنسي ـ فلسطيني قراراً "ملزماً" من المجلس للعودة إلى المفاوضات، التي غايتها الأولى "ترسيم حدود" بين الدولتين، ونهايتها إنهاء الاحتلال.
خامساً: إذا "تفركش" التصويت، بألاعيب وذرائع وحيل أميركية، فإن السلطة ستطلق آخر "خرطوشة" في خطتها ثلاثية المراحل، وتطلب الانضمام إلى مزيد (أو كل) المنظمات والهيئات والاتفاقات الدولية.
سادساً: إذا شمل الانضمام التوقيع على عضوية "معاهدة روما" الخاصة بجرائم الحرب، فسوف يكون هذا طلقة "الرحمة" أو "الإجهاز" على المفاوضات السياسية الفلسطينية ـ الدولية، لندخل في معارك قانونية، طويلة ومتشعبة"، فلسطينية ـ إسرائيلية ـ دولية حقوقية، حول ما اقترفته إسرائيل من جرائم حرب، وما اقترفه الفلسطينيون أيضاً من "عمليات انتحارية" أو إطلاق صواريخ.
من الواضح أن هذه الخطوات التفاوضية الفصائلية ـ البينيّة، والثنائية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، ستؤثر على جدوى برامج إعادة إعمار غزة، وحجم تمويلها، والمدى الزمني لإعادة الإعمار.
مصادر في "حماس" وأخرى في إسرائيل، لا تستبعد اندلاع جولة رابعة، أمّا الدول المانحة فتقول "كلاكيت آخر مرّة" أي هذه آخر مرّة لبرنامج دولي لإعمار خراب حرب في/ على قطاع غزة.
***
لوحظ في الخطة الفلسطينية، لإعادة إعمار غزة، أنها من شقين: للإنعاش المبكر، ولإعادة الإعمار. وافاد وزير الاقتصاد، محمد مصطفى، بأن 20 وزارة ومؤسسة وطنية أعدت الخطة، بالتعاون مع فريق من 200 خبير غالبيتهم من قطاع غزة.
المؤسف، أن بعض قادة "حماس" مثل محمود الزهار، معنيّون على ما يبدو، بتشويش برامج الإعمار أو توتير الأجواء مع السلطة وإسرائيل، بإعلانه أن حركته باشرت ترميم وإعادة بناء الأنفاق، بما يعطي إسرائيل ذريعة أخرى للتشدد في توريد مواد البناء من الإسمنت والحديد، وجميعها من إسرائيل. يا أخي اعملها "على السكت"!
مفاوضات طيّ مفاوضات، وستكون المفاوضات البينيّة الفصائلية الثنائية طويلة، وأطول منها المفاوضات مع إسرائيل لتسهيلات تؤدي إلى رفع الحصار.
لعلّ المفاوضات بين الشرعية الفلسطينية وتلك الدولية ستكون ذات نتيجة أسرع، وهذا تبعاً للتصويت في مجلس الأمن، وإلى أي جهة ستصوّت الولايات المتحدة على مشروع قرار يشكل نهاية لاحتكار واشنطن للمفاوضات.