حسن البطل
العنوان أعلاه عمره ثلاثة مونديالات، في مونديال ٢٠٠٢ وجدتُ نفسي المعلق الرياضي الرئيس، وعلى الصفحة الأولى من "أيام الملاعب" بالعنوان أعلاه.
جمعت أعداد "أيام الملاعب" لمونديالين ١٩٩٨ (فرنسا) و٢٠٠٢ (كوريا الجنوبية - اليابان) وأهديتها للقسم الرياضي.
هل أصلح معلقاً رياضياً، كما أثنى قارئ على عمودي يوم ١٥ حزيران في استهلال مونديال البرازيل؟ كلا .. وإن كنت، لمرة واحدة، المعلق الرياضي لمونديال ٢٠٠٢، لكن معتمداً على جاري احمد زبن، الذي يسهر للرابعة، بتوقيت فلسطين صباحاً ليرى مباراة قارية لمنتخبات اميركا الجنوبية، وعقله كأنه "خارطة جيوديزية" للمونديالات، والأولمبيات، والبطولات القارية والاقليمية - وحتى الوطنية!
الفرق المتبارية والنجوم هي ما تنال الاهتمام الأوفر في الصحافة الرياضية، قبل المدراء الفنيين للفرق .. لكنني احفظ اسم جاك ايميه، مدرب فريق الديكة الفرنسي، لا لأنه قاد فريقه للفوز لأول مرة بكأس العالم، رغم أنه مدرب رياضة بدنية فحسب، بل لأنه استقال بعد هذا المجد.
ما الذي يهمني في المونديال ومباريات كرة القدم؟
أولاً: جماليات الانفعال البشري للاعبين، وحراس المرمى، والمدربين .. وخصوصاً للجمهور. إنه انفعال فطري صادق، وليس كما في السينما يحاكي الصدق ما استطاع.
اللهفة منذ يركل اللاعب ضربة الجزاء، او رمية حرة، او رمية ركنية، الى ان تطيش او تصيب هدفاً.
الفرح الطاغي على وجه وحركات وجسم لاعب يسجل هدفاً، والأسى والحزن على وجه حارس المرمى .. وانفجار جنون الجمهور المؤيد، او خيبة امل الجمهور الآخر .. والجميع يضع كفيه على رأسه (آخ!).
ثانياً: ركلات الترجيح التي تحسم مباراة حساسة طالت والتهمت "الماتش" الأول فالثاني، إما بتعادل صفري او بأهداف متعادلة.
هذه هي قمة الدراما، حيث البطولة المطلقة، في هذه للعبة الجماهيرية من ٢٢ لاعباً، كأنها المبارزة بالسيف او بالمسدسات، بين حارس المرمى واللاعب الذي يركل الكرة.
ههنا قمة انفجار الانفعال الانساني، الجميل والمتعارض، إن طاشت الرمية نادراً او اصابت مقتلاً / هدفاً.
في المباراة، لكل لاعب "لغته" لغة جسده ولغة وجهه بعد ما يسجل هدفاً، ويرتمي عليه زملاؤه.
حكما خط التماس كأنهما قاضيان في محكمة، لكن حكم الساحة كأنه رئيس القضاة. هما نادراً ما يغلطان ان تجاوزت، الكرة الخط، لكن حكم الساحة هو من يرفع بطاقة صفراء، او بطاقة حمراء، او يطلق صفارته ان كانت العرقلة مقصودة، وأحياناً يحكم والعرقلة غير مقصودة .. لكنه يرى او لا يرى. اخطاء التحكيم نادرة.
الجمهور على المدرجات بأقنعة وجوه غريبة، او بملابس غريبة، ويختلف هذا الجمهور عن جماهير "قتال الموت" ومبارزاته في الساحات الرومانية (المجالدون) لأنه "للحظة" تمتد 90 دقيقة ملأى بالمفاجآت الآسرة، والمخاشنات الغريزية بما فيها جندلة الاقدام، او حتى "العض" و"النطاح" وغالباً دفع الآخر او جذبه من قميصه، او استخدام يده وذراعه خلسة او بغير قصد.
يبدو ان المونديالات جوالة من قارة لاخرى، ومن بلد لآخر، وهي "تزرع" في تجوالها ملاعب رياضية جديدة، او تجدد الملاعب القديمة، بينما هذه "الفيفا" تعمل وكأنها "القطب الواحد" العالمي، الذي يقرر أين يقام كل مونديال، بناء على دفتر العروض، وجاهزية الدول لهذا العرس الكروي الدوري كل اربع سنوات.
شخصياً، أحب هذه العروض الفنية التي تسبق كل مونديال: باذخة وأخاذة وجميلة، وتروي قصة من تاريخ الدولة المضيفة، او قصة عالمية .. وكل هذا باتفاق تام محسوب بالدقيقة والثانية.
صحيح، ان الكرة هي الكرة بمقاسات كرة لا تتغير من حيث الحجم، لكنها قد تتغير قليلاً من حيث الوزن، وتتغير كثيرا من حيث الشكل بين كل مونديال وآخر، أما قواعد اللعب فهي بطيئة التغيير.
صحيح، أن في المباريات بين الاندية قد تتغير ألوان ألبسة اللاعبين إن تشابهت مع ألوان غيرها، لكن في "المونديال" حيث لكل دولة علم، فإن لكل فريق الوان القميص والسروال، تاركاً للاعبين اختيار اشكال ألوان الاحذية .. ولكل فريق اسم "حركي"!
لذة اللعبة هي في المشاركة، إن كان على المدرجات او في الساحات، او في المقاهي، او في البيوت، ما دامت الصورة تصل في لحظتها الحقيقية على مدار الكرة الارضية، لكن المشاركة هي في "الانحياز" إمّا الى فريق اللاعب المحبوب، او المدرب الناجح، او الدولة .. وإما في "الانحياز الايجابي" للمباراة من الناحية الرياضية والفنية.
شخصياً، أنا منحاز للجنوب ضد الشمال، ولفرق الدول الفقيرة ضد فرق الدول الغنية، وللفريق الضعيف ضد الفريق القوي .. لأن دراما كل مونديال هي سقوط الكبار المفاجئ من الدور الاول، وليس الحصول على لقب اول او لقب خامس او سادس لكأس العالم.