لو أني أدق له عنقه

لو أني أدق له عنقه؟!

لو أني أدق له عنقه؟!

 تونس اليوم -

لو أني أدق له عنقه

حسن البطل

صرتُ أحيدُ عن دربي الصباحي: بيتي - محطة باصات بيتونيا - مقهاي .. ثم مكتبي. صرتُ أفهم ما أريد من معاني مديح محمود درويش لمعاني الاشجار. أمرّ في دربي الصباحي بشارع البريد، وفي هذا الشارع وقعت جريمة، بل جريمتين متسلسلتين بحق شجرة من اشجار الشارع .. وفي عامين متواليين! أنا (وأنتَ) في قمة حياة الثدييات، والشجرة في قمة حياة النبات. وفي شارع البريد - رام الله فهمت لماذا قال درويش: "سيل من الأشجار في دمي .. أتيتُ أتيتُ"، وكنت أفهم مديحه للشجر "الشجر العالي كان نساء / كان لغة". الحياة أنثى .. والشجر لغة الحياة. هل رأيتم "إنهم يقتلون الجياد" او رأيتم هذا الفيلم "صمت الخراف" حيث يسلخ قاتل سادي متسلسل، عاجز جنسياً، جلود ضحاياه .. ويتعرى ويرقص طرباً؟ "إنهم يكسرون الاشجار. أشجار الطرق بالذات، ولكن قاتل الشجرة السادي المتسلسل في شارع البريد يدّق عنق شجرة بالذات، امام حانوت بالذات، ويكرر جريمته كلما غرست البلدية شجيرة مكان الشجيرة القتيلة، كمن يفصل رأس انسان عن جسده .. ثم يضع الرأس فوق الجثة، او يعيد غرس تاج الشجرة الى جانب جسدها! فعلها هذا المجرم السادي، القاتل المتسلسل مرتين خلال عامين، وقد يفعلها ثالثة في الربيع المقبل. سفاح متسلسل مثل السفاح المتسلسل في "صمت الخراف". هل يقتل ويضحك حبوراً مثله؟ صرتُ أحيد عن دربي الصباحي، مثل طفل اكتوى بالنار، فقد يفعلها المجرم، سفاح الشجرة / الشجرة مرة ثالثة، وغالباً يفعلها ليلاً، لأني أمرّ من الدرب صباحاً، فأرى رأس الشجرة (تاجها) مقطوعاً ومغروساً في التراب كأني أرى جثة قتيل مقطوع الرأس، ورأسه المقطوع على جسده؟ هو واثق ان احداً لن يراه ليلاً؛ وأنا واثق أني لو رأيت فعلته لتمنيت أن أدقّ له عنقه. هناك في الشعر: النطع والسيف، وهناك المقصلة، وهناك في بعض المصارعة ان "تدق عنق" خصمك دون ان تفصل الرأس عن الجسد. تقتل رقبته بذراعيك بسرعة. يقول بعض قرائي المثابرين إنني لو لم أكن كاتباً سياسياً لكنت قصصياً، وكانت بداياتي ككاتب قصة معنونة "مصرع الشجرة الرابعة". انها شجرة على رصيف شارع دمشقي (شارع الانشاءات الموازي لشارع بغداد، وفي موقف باص امام بيتي كان من يتسلى بسلخ لحاء الشجرة، فما كان مني إلاً وجلبت جلداً صناعياً وسلكاً .. ثم "قمطت" ساق الشجرة .. الى ان دهمتها سيارة رعناء! "سيل من الاشجار في دمي .." كناية عن عنفوان الحياة، كما "دمي بريد الانبياء" كناية عن عنفوان الامل، كما "نحب الحياة إن استطعنا اليها سبيلاً" كناية عن عنفوان العناد في النضال. يحمور الدم الأحمر هو الأخ الشقيق ليخضور النبات، الذي هو الأخ غير الشقيق لفلز (معدن) الارض. ولعل الشجرة كانت تبكي بلا صوت اذا علّقوا على فرع من فروعها حبل مشنقة و"دندلوا" في الحبل جيد انسان مظلوم او مجرم .. لا فرق! لكنني إزاء قاتل متسلسل لهذه الشجيرة على رصيف شارع البريد - رام الله واثق ان اشجاراً أخرى ستنمو وارفة، وعلى فرع من فروع شجرة ناجية من كاسري الاشجار، قد أعلق حبلاً على فرع، ثم اعلق رقبة القاتل في الحبل .. وهكذا أدق له عنقه، كما دقّ عنق الشجرة القتيلة مرّة مرتين، وقد يدق عنق الشجرة مرة ثالثة. لن أمر من طريق الجريمة. * * * في مشروع من مشاريع مئوية بلدية رام الله، جعلوا شارع ركب وشوارع قلب المدينة أخضر. وها هي الاشجار تعلو قامة المتسكعين في شارع ركب (الشارع الرئيسي) ومعظمها من "ناجيات ركب" وصارت جذوع بعضها في حجم زند الذراع عصية على الكسر بأيدي المرضى من كاسري الشجر. قلت: سأدق للقاتل عنقه، كما دق عنق الشجرة.. لكنني لن افعل، بل سأحيد عن درب وقعت فيه جريمة قتل متسلسلة. .. وأحيد ايضاً عن درب تحبو على شارعه حشرة او "دويبة" .. نملة، او خنفسة مثلاً. نقلا عن جريدة  الايام 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لو أني أدق له عنقه لو أني أدق له عنقه



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia