لـغـلـغـة

"لـغـلـغـة"

"لـغـلـغـة"

 تونس اليوم -

لـغـلـغـة

حسن البطل

العصفور "يُسَقْسِق" إذا كان مُتعلّماً، و"يُزَقْزِق" إن كان أمّياً، أو يلفظها الإنسان الفصيح باللسان العربي الفصيح، غير ما يلفظها الإنسان البسيط باللسان العربي الدارج؟
هل لفظ الحرف درجة أولى لفصاحة: الكلمة، اللسان، اللغة .. فنصاعة الفكرة، فقوّة الحجّة؟
على الحرف تُبنى الكلمة، وعلى الكلمة الجملة، وعلى الجملة الفكرة، وعلى الفكرة المقولة، وعلى المقولة النظرية، وعلى النظرية الثقافة، وعلى الثقافة .. الحضارة. يقولون : "صراع حضاري"، لكن العلامة نعوم تشومسكي يجد في الألسنية (اللغويات) مدماك الحضارة الإنسانية المشتركة!
ما هي المشكلة؟
في الهيروغليفية رسموا الكلمة صورة تجريدية؛ وفي العربية رسموا حرف الكلمة تجريدياً. حرف اللام شكل طرف اللسان في سقف حلق الفم. حرف الواو شكل تكوير الشفاه. حرف القاف شكل انقباض الحنجرة.. الخ! كلمة "شلال" رسمٌ صوتي لحرفي الشين واللام، بناء على صورة الشلال في الطبيعة، ونطق حرف العين تقليد صوتي الحنجرة لشكل العين ذاتها.
لعل الألوان، في العربية مثلاً، ذات جذر يتعلق بلون الوجه في حالات انفعاله المختلفة: احمرّ وجهُه (خجلاً). اصفرّ وجهُه (مرضاً)، ازرق (اختنق) اسودّ، ابيضّ.. الخ، وقد يكون العكس هو الصواب: اصفرت اوراق الشجر، وبعد نار الحرب هناك السواد لون الخراب.. ووجه العار!
تعرفون كيف يتبدل المعنى وينقلب إلى ضده بمجرد تقديم حرف على حرف، أو تبديل نقطة، حذفاً أو زيادة، أو استبدال حرف بحرف (عزف عن الشيء، أزف الوقت..الخ).
اللعب باللغة وعلى اللغة شائع في كل لغات الانسان، وبعض اللعب يقود الى ويلات ودواهٍ، مثلاً: في قصة كتابه "غرناطة" يذكر أمين معلوف، كيف أن يهوديّاً أندلسيّاً انقلب على دينه (أو أتمّه) فأسلم، وصار ينهي كل عبارة له بـ "أستغفر اللّه"، وهو الذي شجّع آخر ملوك غرناطة على ركوب رأسه والذهاب إلى معركة خاسرة، بعد أن دأب على النَّيْلِ من رَجَاحَة عقل شخصية عربية قرشية تُكنّى "أبا عَمْرو"، فقلبها "أبا خمر"، لمجرد أن ذلك العربي راجح العقل، طالب أمير المؤمنين بالتروّي والجنوح نحو السلام!
اللعب على اللغة قديم في المسألة العربية - اليهودية، حتى نزلت الآية 301 من سورة البقرة : "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم". لهذه الآية قصة تروى (واللّه أعلم)، ومفادها أن عبد اللّه بن سلام كان يهودياً وأسلم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمع، في حضور ابن سلام، من بعض كبار اليهود توسّلاتهم: "راعنا يا أبا القاسم". إن كلمة "رَع" تعني رديء، أو سيّئ في العبرية القديمة والحديثة. لكن في العربية العامية الحديثة هناك "راعينا" بمعنى حميد.
سنحمل إرث الجذر المشترك للغات السامية، وسيطل برأسه في ثنايا كلمات عبرية - عربية مشتركة. ومع ان علاقة الدالّ بالمدلول مشكلة المناطقة والفلاسفة، لكنها مجال للغو في اللغة، ولتوظيف اللغة في الصراع.
مثلاً: من بين كل معاني كلمة "قطع" ومرادفاتها، ومنها كلمة "المقاطعة" في رام اللّه، اختارت الصحافية اليمينية آمونة ايلون، جذر كلمة قطع؛ بمعنى قطعة عسكرية، اي ان "المقاطعة" قلعة عسكرية ..الخ!
القناة الفضائية الإسرائيلية، كثيرة المطبّات الفنيّة، واللغويّة (والسياسيّة بالطبع). اثناء الحصار الاخير للمقاطعة، ملأت الشاشة خرائب المقاطعة، ومعها عبارة : "قصر عرفات"، ثم جرى تصويبها الى "مقر عرفات". هذه سهوة، أو ان السهوة زغللة بصر وزلة لسان تفصح عن مكنون النفوس؟
من جانبنا، لا ندّخر اللغو السياسي، بالغرف من اللغو اللساني.. لنصل الى لغو فارغ، مثل: قلب الصحافة المصرية لكلمة نتنياهو وتقسيمها الى مقطعين "نتن" و"ياهو". جذر كلمة "نتن" (مع لفظ دقيق) هو: أعطى، وهب. ويقول اللسان العامي الفلسطيني: "انطيني، نطيني" بمعنى اعطني. وبذلك، فإن نتنياهو هو "عطا اللّه"، او "عطيّة اللّه". هل كان الخليفة "المستنصر باللّه" تقياً، او "المعتزّ باللّه" كان متواضعاً.. ليس بالضرورة!
القرآن الكريم، كما هو معروف، ليس كتاب تاريخ او جغرافيا. هناك "قصص" لتكون "عبراً": "نحن نقص عليك أحسن القصص".
لكنْ، مستشرق يهودي قاده الهوى، انطلاقاً من كون "العهد القديم - التوراة" كتاب تاريخ وجغرافيا (في زمانه ومكانه)، فاستنتج ما يريد من غياب كلمة "القدس" في القرآن الكريم. حسناً، لماذا لم يستنتج الصهاينة من ورود كلمة "فلسطين" و"الفلسطينيون" في التوراة إلا انكارهم لوجود البلد والشعب!!. لكن، اذا وردت عبارة في القرآن "يا بني اسرائيل" مرات عديدة، فإن بعض المستشرقين سيفهم منها ما يريد.
يقودك اللغو في اللغة الى ذات اليمين وذات الشمال. لغة. لغو.. شتان بين "القول" و"القلقلة" في اللسان وفي الفكر. لكن "لغلغة" الكلام (والنحت من عندياتي) يعني اكثر من "الغمغمة" و"التأتأة"، فهو خلط بين صحيح الكلام وهذره واللغو فيه.
"اللغلغة" (اللغو في اللغة) موضوع شائك - شائق .. وله صلة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لـغـلـغـة لـغـلـغـة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia