لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد

لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد

لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد

 تونس اليوم -

لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد

حسن البطل

له حالات الماء.. وأكثر من حالاته الثلاث: الغازية، السائلة .. والصلبة. هو، نفسه، غسان كنفاني ثالث أركان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. الركنان الآخران: وديع حداد، جورج حبش.

الجبهة الشعبية ذاتها هي الكويكب الذي تمخضت عنه سحابة التكوين المسماة حركة القوميين العرب.

بالإذن من أدونيس 'المفرد بصيغة الجمع'، أو بالإذن من غسان .. الذي هو، أيضاً، 'جمع بصيغة المفرد' .. لأن له حالات الماء: الصحافي. الأديب .. والفنان، الفلسطيني، العربي .. والأممي، الزوج الوفي، العاشق الولهان .. والرفيق للرفاق.

يقول الاطباء إن القلب لم يعد معجزة ثانية، وإن العقل قد لا يظل معجزة أولى .. ولكن الكبد، حيث تجري ثلاثة آلاف عملية كيماوية، قد يبقى معجزة ثالثة.

كان يمشي، وئيداً، إلى موته بانفطار في كبده (النشاء سكر، والسكر طاقة)، ولكنهم اختطفوه إلى موته بانفجار جعل هذه 'الآلة الانسانية' الفريدة .. أشلاء اختلطت بأشلاء ابنة شقيقته، واختلطت أشلاؤهما، بقوّة النار، بكلّ عناصر المادة: حديد، زجاج، وتراب.

.. والطاقة حياة؛ والحياة يجب أن 'تسرّ الصديق'، وقد أودع مسرّاته في الصحافة هو (مدرسة صحافيّة فلسطينية أولى: تحريراً، عنونة .. وإخراجاً أيضاً). ثم أودع مسرّاته في الأدب (روايات أولى عن تحويل الحلم إلى فعل، وكتابات نقدية يتصدّرها هذا المولود الأول في المكتبة العربية: 'في الأدب الصهيوني').

.. ثم أودع مسرّاته في الخط (رسم كلمة فلسطين لوحة فنية تضيء بالحداثة في شكلها، وفي مضمونها تستعير زخرفة الثوب الفلسطيني).

لم يقصّر حتى في الرسم بين 'خرابيش' و'اسكتشات' إلى لوحة 'الفارس' التي تستحق رفع 'الهاوي' إلى درجة 'المتمرّس'.

.. هل نقول، وأخيراً؟
أخيراً.. ماذا؟ غسان مصمّم الملصق، أو مصمّم شعار الجبهة الشعبية، الأكثر قوّة تشكيليّة بين سائر شعارات الفصائل، الأشدّ ديناميكيّة .. والأقل ثرثرة: مجرّد تحوير للسهم الذي يذهب حاداً وصاخباً إلى صميم أرض البلاد.

قبل غسان، تحدثوا عن 'التفرّغ للإبداع'. بعد غسان اشتكوا من 'حمل بطيختين بيد واحدة'. ولكنه 'رئيس التحرير' و'المحرر' و'المخرج'؛ ولكنه الصحافي، والفنان، والأديب.. ولكنه الزوج، والرفيق والعاشق؟!.

'ولكن الحياة قصيرة' حتى لو امتلأت حياة غسان بحالات الماء الثلاث كلها: الغازية؛ السائلة.. والصلبة.

لم أعرف غسان، قط، وجهاً لوجه .. لكنني عرفت حالات ابداعه كلها، ثم عرفت عن قرب زوجته وأولاده، وزملاءه الذين أغلق معهم العدد الجديد من 'الهدف'، وأغلق معهم يومه الطويل بأطراف نهار يوم جديد.

الرجل الأكثر غموضاً (وديع حداد) والرجل الأكثر سفوراً وانكشافاً (غسان كنفاني)، والرجل الأكثر عناداً (جورج حبش) .. وسيُعاني الرفاق من تعدّد حالات الماء.

سيُعانون من الرومانسية القومية، من الأممية، من الوطنية التي تقرب من التعصّب الشوفيني.. وعندما يكبرون من خندق إلى خندق، سيجدون أنفسهم يُقاتلون في 'خندق دائري'. سنجد روح الجبهة الشعبية في ثنايا قراءاتهم الجديدة والمغايرة. سنجد الحكمة ممزوجة بالطيش، وماء الواقعية لم يدرك بعض الطحين، وخبز التجربة يحمل نكهة الطحين والعجين.. و'الغاتوه' أيضاً.

* * *
الرابعة فجر يوم صيف. بالشورت القصير. بالصندل المبلّل بماء البحر. بشعر رأسٍ مشوّش.. أدَّيتُ 'تحيّة عسكريّة' للجاثم في القبر. للعبارة التي اختارها الميت لموته : 'باقٍ في حيفا'.

كنّا ثلاثة : خالد درويش، سهام داود.. وأنا. بل كنا أربعة. كانت معنا روح الميت في مقبرة الشهداء - شاتيلا - بيروت: 'غسان كنفاني'.

'باقٍ في حيفا'. 'عائد إلى حيفا'.. وزائر لحيفا، كتبوا على بطاقة هويتي (الرقم الوطني): 'مكوم موليديت: إسرائيل' وعلى جواز / وثيقة السفر : 'مكان الولادة : طيرة حيفا 14/7/1944'.

ما الذي يشدّني إلى هذا 'الغسان'المائي - الأرضي - الهوائي؟
'أنا أكبر من إسرائيل' قال غسان كنفاني في مؤتمر صحافي ببيروت. لعلّ هذا امتيازي الوحيد: أكبر عمراً من إسرائيل.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia