حسن البطل
بقلم: د. أحمد صالح صافي
خبير مياه من أميركا وهيدروليك - غزة
يكاد يجمع الخبراء على أن أزمة المياه في قطاع غزة هي من أهم المشاكل التي تهدد مستقبل القطاع، لدرجة أن الأمم المتحدة أصدرت تقريراً، منذ سنين قلائل، يتوقع أن أزمة المياه في القطاع ستصبح غير قابلة للحل بحلول العام ٢٠٢٠، ثم أصدرت هيئة أخرى تقريراً هذا العام يتوقع أن تصبح غزة غير قابلة للحياة في نفس ذات العام لأسباب اقتصادية واجتماعية، ما يعكس الربط العميق بين أزمة المياه وحياة أهالي القطاع.
لمحاولة تقصي مدى إدراك الشارع الفلسطيني في غزة لحجم المشكلة، وطبيعتها، وأسبابها، بالإضافة إلى موقف هذا الشارع من هذه المشكلة وحلولها، أجرى خبراء جمعية التنمية الزراعية بحثاً كمياً، استطلعوا فيه آراء ٤٦٩ مواطناً غزيّاً بالغاً، اختيروا بشكل عشوائي ليكونوا ممثلين لمواطني قطاع غزة.
توضح نتائج هذا البحث أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يدرك، إلى حد كبير، مشكلة المياه، وإن كان بشكل يقلّ عن واقعها الحقيقي، كما تبين النتائج أن هذا الشعب يدرك بعض أسباب الأزمة ويضطرب حول أسباب أخرى كما سنرى لاحقاً.
تعتقد الأغلبية الساحقة (حوالي ٩٠٪) من سكان القطاع أن قطاع غزة يعاني من مشكلة في كميات المياه المتوفرة وجودتها، لكن أغلبية بسيطة، فقط، تدرك أن مشكلة جودة ونقص المياه تسوء بمرور الوقت، حيث إن هناك نسبة كبيرة من السكان لا تعرف إن كان الوضع الآن أسوأ أو أفضل من قبل.
يبدو أن البعض يخلط بين التحسن في خدمات وشبكة المياه وما بين الواقع المائي نفسه، فلقد ترافق قيام السلطة الوطنية الفلسطينية مع تحسن كبير في شبكة المياه والربط بها في حين تراجعت وفرة المياه وجودتها بشكل واضح في نفس الفترة.
يلوم معظم أهل القطاع (أكثر من ٧٠٪) الاحتلال وإهدار المياه كأسباب لأزمة نقص المياه، ولكن أغلبية بسيطة مقتنعة أن التزايد في عدد السكان هو أحد الأسباب المهمة خلف نقص المياه.
يبدو أن قناعات البعض حول أهمية الإنجاب تمنعهم من قبول هذه الفكرة، أما عن تلوث المياه فيلوم معظم أهالي القطاع تراجع الخزان الجوفي، وتسرب مياه البحر، ومحطات معالجة المياه العادمة لمسؤوليتها عن تراجع جودة مياه الخزان الجوفي، لكنهم، أيضاً، يعزون ذلك إلى مكبات النفايات، وهي مسؤولة عن جزء بسيط من تلوث مياهنا.
في محاولة للتغلب على أزمة نقص المياه، متمثلة بالانقطاع المتكرر للمياه لفترات طويلة، فإن سكان القطاع زادوا من قدرتهم التخزينية حيث يبلغ معدل التخزين للأسرة الغزية حوالي ٢٠٠٠ لتر، وهي تكفي عائلة من خمسة أفراد أربعة أيام.
كما أن ١٠٪ من سكان القطاع يعتمدون على آبارهم الخاصة وغير القانونية أو المرخصة لضمان توفر مستمر للمياه، بغض النظر عن صحة هذه الممارسات من عدمه، ولكنها توضح أن الشارع الغزي يحاول التكيف مع أزمة المياه، ولكن هل تُسرِّع هذه الممارسات من قدوم اللحظة التي لن تعود فيها مثل هذه الحلول مجدية؟
كحلول للمشكلة، يؤيد معظم السكان زيادة وعي الناس بمشكلة المياه وحلولها، وإنشاء وحدة معالجة مياه البحر، في حين أن هناك أقلية كبيرة تؤيد جمع مياه الأمطار والضغط على إسرائيل لتحصيل الحقوق المائية، وأخيراً تحسين كفاءة شبكة المياه.
في المقابل فقط، حوالي ٣٠٪ من أهالي غزة يؤيدون زيادة الجهد لتحصيل تعرفة المياه أو زيادة هذه التعرفة.
هذه المواقف تعكس رغبة في حلول سريعة لمشكلة المياه دون الرغبة في دفع كلفة هذه الحلول.
ينقسم الشارع الغزي، ويبدو محتاراً، حول قدرة المؤسسات الحكومية والبلديات على التعامل مع أزمة المياه.
فقط ٣٠٪ من أهالي القطاع يعتقدون أن المؤسسات المختصة بموضوع المياه توفر معلومات حول المشكلة لهم، وأن هذه المؤسسات تشركهم بشكل كافٍ. توضح النتائج السابقة أزمة ثقة كبيرة بين المؤسسات المختصة بموضوع المياه.
مرة أخرى، ٣٠٪ من أهالي غزة يعتقدون أن بإمكانهم التعامل مع مشكلة المياه، ما يعكس خوفاً كبيراً من هذه المشكلة قد يعطل قدرات هذا المجتمع على التكيف مستقبلاً.
كل ما سبق يجعل بذل جهد أكبر في نقل أزمة المياه إلى الشارع مهماً جداً مع إعطاء هذا الشارع الواعي، إلى حد كبير، الفرصة لنقاش المشكلة وحلولها بشكل فاعل ومؤثر.
المواطن الفلسطيني هو الضحية الأكبر للمشكلة، وهو الحل، ولا يمكن تجاهله في قضية مصيرية مثل قضية المياه.
لاحقاً: مياه غزة بين الماضي والحاضر للخبير نفسه بمقالة خاصة.