حسن البطل
ضاحكاً، روى لي زميلي حسن خضر هذه الطرفة: حصل أن وضعوا اسمي خطأ على مقالته الاسبوعية "نقطة ضوء" لا أكثر من ساعتين .. فنلت الوافر من القدح والقليل من المدح!
هل للأمر تفسير مثل أن لبعض القراء موقفا سبق من الكاتب، أو "مسطرة" لما يكتب.. أو الأمرين معاً؟ أو أن التفسير أسهل، ومردّه أن "الأسلوب هو الكاتب"؟
أظن أن اسلوب كتابة العمود اليومي غير أسلوب كتابة العمود الأسبوعي، أو "الرأي" أو "المقالة"، او الدراسة والبحث.. أو قل ان أسلوب العمود اليومي مثل تردد طقس الربيع في هذه البلاد؟
حصل أن عنونت عمود يوم ٩ نيسان: "الحل هو الانحلال؟" وعمود يوم ١١ نيسان "أو أن أول الحل .. حلحلة؟" .. الأول قد يكون موقف الكاتب، والثاني قد يكون قراءته ورؤيته للموقف الجاري، عدا عن أن علامة الاستفهام في الحالتين تثير سؤالاً حول صحة موقف الكاتب، او صحة قراءته للحدث الجاري.
قد أعطي تفسيراً آخر مستمداً من الوظائف الحيوية للجسم الحي. هناك نبض القلب في الدقيقة (العمود مثلاً) وهناك عدد الأنفاس في الدقيقة (المقالة الأسبوعية مثلاً) وهناك عدد الوجبات في اليوم (الدراسة مثلاً) .. وأخيراً، هناك عدد مرات طرح الحاجة الطبيعية لإخراج الفضلات (مرة أو مرتين يومياً عادة).
ربما عنوان عمود ".. أو أول الحل .. حلحلة" لم يعجب القارئ المواظب جمال شاهين، وربما مضمونه لم يتفق مع موقف القارئة المواظبة رنا بشارة (يمكن الرجوع الى التعقيبين أسفل العمود في صفحة الكاتب).
كان لدي صديق على "الفيسبوك" له اجتهادات ثقافية وفكرية وتراثية أتابعها باهتمام، وله آراء سياسية آنية وهوائية، أذكر منها رأيين .. الأول اعتذاره عن دعمه مرشح الإخوان لرئاسة مصر، لأن المرشح المنافس هو من "الفلول"، والذي حصل أنني ذكرته برأيي المسبق "انتخبوا احمد شفيق" لأنه لن يكون نسخة عن مبارك، الذي لم يكن نسخة عن السادات، الذي لم يكن نسخة عن عبد الناصر.
.. لكن، عندما اعتذر عن حماسته المفرطة للربيع العربي، بعد ان سيطر الإسلاميون عليه، عقبت على اعتذاره مشيرا الى رأي المفكر العراقي هادي العلوي: كل حركة دينية، إسلامية او مسيحية او يهودية، سوف تنتهي الى الفاشية.
.. وفي النتيجة؟ شطبني من قائمة الأصدقاء، وهذا حقه .. لكن بعد شتائم من العيار الثقيل.
ربما "ذنبي على جنبي" كما يقال، فقد افسحت في المجال لقارئي ان يعقب على ما اكتب، وعندما شكوت لصديقي شطط بعض الانتقادات، قال لي: هذا لا شيء قياساً على شتائم قراء يهود لمقالات عميرة هس وجدعون ليفي .. سوى انهما يتجاهلان!
ثمة مشكلة اخرى لكاتب العمود اليومي، والعمود غير "الرأي" او "التعليق" او الكتابة في حقل او حقول قليلة، فهو ذو مروحة واسعة، اي مثل "جراب الكردي" كما يقال، او جعبة "جندي المارينز".
رأيي الشخصي والمهني بعد خبرة طويلة ان ما يعطي صحيفة او مجلة فكرية "بصمتها" المميزة هو جودة "التحرير" اولاً، ثم "المقالة".. ولكن كتابة "العمود اليومي" تشكل أعلى درجة في السلم الصحافي .. وفي النتيجة؟ يفقد كاتب العمود تجربته في كتابة المقالة، أي "يتعومد" في أسلوبه، وعندما كتبت مؤخراً "مقالة" عن معرض فني، قيل لي: لكن هذا أسلوبك في كتابة عمودك.
صحيح، لكل شاعر لغته وأسلوبه وتجديداته في كتابة القصيدة، لكن كثيراً من الشعراء المجيدين لا يستطيعون كتابة "رواية" مثلاً، او أن "مفكرين" عميقين سيكتبون "شعراً" هو أقرب الى الفكر، اي يخلو من "الماء" الشعري، على رأي شاعرنا القومي في شعر شاعر مجيد آخر.
.. ثم، هناك من لديه "مسطرة" في الذائقة، او في الموقف الثقافي والسياسي والأيديولوجي ايضاً .. وأظن انه لا وجود لـ "مسطرة" في كتابة العمود اليومي .. الا إن كانت هي "الأسلوب".
نقلاً عن جريدة "الأيام الفلسطينية"