حسن البطل
أمس، مرّت السنوية الـ 17 على استشهاد "المهندس" يحيى عياش. هذه الاستعادة تحية لشجاعته البطولية، وقد نشرت في يوم يصادف "يوم الشهيد الفلسطيني" تحية لأول شهداء "العاصفة ـ فتح" أحمد موسى.
***
لا يُسأل عاقل عن نتيجة حرب يخوضها رجل ضد دولة، وفتى رافات يحيى عياش خسر حرب السنتين، هذا اذا كانت الخسارة تصفية حساب دام، تقول اسرائيل انه حساب باهظ الثمن للغاية، وكان اشد ما يزعج اجهزة أمنها ان اسطورة الرجل تأكل من اساطيرها، وهي اجهزة تحتاج دوما الى انجازات، خصوصا وان المعنوية العامة الاسرائيلية ليست على ما يرام، وبالذات المعنوية الامنية، من بعد "التقصير" الذي لم تتكشف ابعاده وذهب ضحيته رئيس الوزراء الاسرائيلي، وهو رجل الأمن الاول، وواحد من اقدم جنود اسرائيل فكان الجنرال الراحل اسحاق رابين يبدأ يومه بسؤال مساعديه عن سير عملية طراد "المهندس" واصطياده.
ولعل العقيد "كاف" القائد الحالي لخدمات الامن الداخلي الاسرائيلي "الشين بيت" يتنفس الصعداء الآن، ذلك ان "المهندس" لم يخض حربه ارادة في مقابل ارادة فقط، ولكن عقلا واجه عقول الاجهزة الامنية الاسرائيلية، وفي مجال حرب العقول لا يقبل الامن الاسرائيلي، او اجهزته، حلا وسطا، ورجال تلك الاجهزة لم يكونوا يريدون "المهندس" حيا، لأن اعماله بلغت حدا من الوقع كاد يخل بالتوازن المعنوي للأمن الاسرائيلي، وبالمعنوية العامة الاسرائيلية ذاتها. وبارتقاء فتى رافات درجة الاسطورية، لم يعد يهمّ العقول الامنية الاسرائيلية، ان كان اغتيال الرجل يرفعه الى درجة الاسطورة.
والواقع، ان تصفية "المهندس" كانت على رأس جدول الاعمال الامنية الاسرائيلية، حتى دون حاجة "الشين بيت" و "الموساد" الى التخفيف من روائح غير مستحبة اخذت، في الفترة الاخيرة تزداد، مثل: انكشاف جرائم حرب اقترفت ضد جنود مصريين في سيناء، وقيام احد قادة "الشاباك" باعطاء امر بتصفية اثنين من الشبان الفلسطينيين خطفا حافلة باص قبل زهاء عشرة اعوام، على الرغم من استسلامهما، ومن كون عملية الاختطاف تمت بواسطة اسلحة - لعبة.
كل هذه الاجواء والعوامل، القديمة منها والمستجدة، تفسر اصرار اسرائيل، او اذرعها الامنية، على رد الاعتبار اليها، ولو تطلب الامر اجتياز خطوط سياسية حمراء، والعمل خلف الخطوط في ساحة خرجت عن سيطرتها السياسية، من دون ان تخرج عن اعتباراتها ونشاطاتها الامنية.
وأيا كانت معايير الفشل والنجاح المهنية المحضة، غير انها تظل نسبية، في حين ان الخلاف في المفاهيم والقيم بين "قاتل" وبين "بطل"، وبين "قتيل" وبين "شهيد" يظل خلافا عصيا على الحسم على الصعيد الاخلاقي والقيمي. لكن على هذا الصعيد فان "المهندس" لقي وجه ربه راضيا.
ولأجهزة الامن الاسرائيلية ان تشعر بشيء، قليل أو كثير، من الرضى عن نجاحها في "حرب السنتين" ضد شاب من رافات، كان يمكن له، لولا الاحتلال وشروره، ان يكون عالما لامعا في مجال علمه.
لا يسأل عاقل عن نتيجة حرب يخوضها رجل ضد دولة، ولكن على الشعب الفلسطيني الذي يعتبر "المهندس" واحدا من فتية فلسطين، ان يتعلم الصبر، وان يمتص الضربة، ويفوّت على المدبرين اهدافا قد يكون من بينها النيل من سمعة السلطة الفلسطينية ومن مكانتها، وزعزعة الامن الوطني الفلسطيني على ابواب انتخابات.
هنالك حلّ وسط في السياسة، لكن المفاهيم مسألة اخرى مختلفة جدا، هنــاك قاتل وهناك قتيل، وهناك بطل وهناك شهيد ..
ما لا يختلف عليه احد ان "فتى رافات" هو "الفتى" وان الرجل مات ميتة الرجال، حياته الاسطورية انتهت، وبدأت كتابة اسطورة حياته.
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية