حسن البطل
حرّر ذراعيك وامشِ.. ماذا تلاحظ؟ تمشي كالدواب والوحوش. تحرك ساقك اليسرى مع ذراعك اليمنى.. وبالعكس!
قالوا: الإنسان حيوان اقتصادي (منتصب القامة يمشي ويسعى لرزقه بقدميه بحركة معاكسة ليديه). طبعاً، يمكن أن تحرك ساقاً أو ساقين، ذراعاً أو ذراعين بمعزل عن مشية الدواب والوحوش، التي تستطيع بالمقابل العدو السريع بحركة وثّابة بتوالي حركة القدمين والساقين.
السياسة والاقتصاد يمشيان الهُوينى، ويقفزان. لذلك لا يدرسون الاقتصاد بمعزل عن السياسة.
.. ومن ثم، فإلى خطة كيري ذات الشقين/ الحركتين المتناسقتين: الاقتصادية والسياسية، وهي الأوضح سياسياً من مؤتمر الدول المانحة للسلطة في باريس 2007، التي مكّنت سلام فياض من وضع خطة السنوات الثلاث لبناء مؤسسات فلسطين "من تحت إلى فوق".
نقاد أوسلو يرونها لعنة مزدوجة: سياسية واقتصادية. سياسياً، وضعت السلطة في سجن (أ. ب. ج)، واقتصادياً، وضعها بروتوكول باريس (ابراهام شوحاط وأحمد قريع) العام 1997 في حذاء صيني!
بصراحة، لعلّني أكثر اهتماماً بالشق الاقتصادي في خطة كيري الشاملة من اهتمامي بالشق السياسي، أي أن تنمية اقتصادية للمنطقة (ج) لا تقلّ أهمية عن توسيع السيادة الفلسطينية المخروقة في المنطقة (أ) لتشمل المنطقتين (ب) و(ج).
لماذا؟ في البيانات الأوروبية والأميركية، منذ "خارطة الطريق" و"حل الدولتين"، تتردد هذه اللازمة: دولة فلسطينية متصلة ـ متواصلة الأركان وقابلة للحياة.
هناك دول مستقلة لكنها دول فاشلة ويجوز أن يكون هناك "حكم ذاتي" مزدهر، منذ بعض الوقت أطرح سؤالاً: ما هو الأفضل؟ حكم ذاتي مزدهر أم دولة فاشلة؟
الحكم الذاتي الفلسطيني عاش فترتي ازدهار نسبي من أعوام 1993ـ2000 ومن أعوام 2008ـ2011 ثم تعثّر الازدهار في السنتين الأخيرتين لأنه اصطدم بالسقف السياسي الواطي للحكم الذاتي.
كيف نفهم خطة كيري الشاملة: اقتصادياً، أمنياً.. وسياسياً؟ من الانسحاب الأحادي من غزة إلى الانطواء الجزئي عن مستوطنات جنين شمال الضفة، إلى مشاريع فك الارتباط.. ثم مشاريع الانفصال السياسي أو "الطلاق" السياسي بتعبير وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد.
"الطلاق" السياسي كناية عن "حل الدولتين" لكن هذا الطلاق ـ الحل يعني، مع الشقّ الاقتصادي في خطة كيري، مزيداً من الارتباط الاقتصادي، لأنه يتطلب تنمية مشتركة ومنفعة مشتركة، وازدهاراً اقتصادياً لدولة فلسطين يجرّ في أذياله منفعة اقتصادية لدولة إسرائيل.
تحدّث كيري عن خطته، وبالذات عن الشق الاقتصادي أمام اجتماع أوائل حزيران للجنة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، ومما تحدث فيه وعنه أن 4 مليارات دولار أخرى لنشل الاقتصاد الفلسطيني ستعني، مثلاً خفض البطالة حتى 9% وهي النسبة الأميركية المتوخاة لبطالة العمالة.
دولة فلسطينية جاذبة للعمالة واستيعاب العائدين بفعل الازدهار، أم دولة هجرة طاردة للعمالة والكفاءات المهنية والأكاديمية؟
الازدهار الإسرائيلي يعود جزئياً إلى أوسلو، لكنه أساساً يعود إلى قرض الضمانات الأميركية بقيمة 10 مليارات دولار لاستيعاب الهجرة السوفياتية التي أنقذت إسرائيل اقتصادياً وديموغرافياً، كما أنقذتها، اقتصادياً وديموغرافياً، الهجرة اليهودية العربية أوائل خمسينيات القرن المنصرم.
الانقلاب الحمساوي 2007 بدّد فرصة تعويم اقتصاد غزة بمشروع دولي من 1,4 مليار دولار يتضمن ميناءً ومطاراً واستقلال حقول الغاز البحري والتركيز على "الهاي تك" و"البرمجيات".
يقول كثير من شباب أعرفهم في الضفة يعملون في هذه المجالات إن "الشغل واقف" وهم متبطلون أو مهددون بالبطالة، التي تدفعهم للهجرة.
البعض ينسب تسهيلات الصيف الإسرائيلية وشهر رمضان كبوادر مبدئية، لكن الحقيقة أن 3,5 مليون إسرائيلي سيقضون إجازاتهم خارج إسرائيل هذا الصيف ومعدل السفر من مطار اللد وصل 60 ألف مسافر يومياً، ومن ثم فإن "التسهيلات" هي محاولة ذكية لجذب الفلسطينيين لتحريك عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصاً بعد الهدوء الأمني.
فك الارتباط السياسي بحلّ الدولتين سيقود إلى زيادة الترابط بين الاقتصادين ليكون نواة سوق عربية ـ إسرائيلية مشتركة، كما في مشروع السلام العربي.