روائــــح

روائــــح

روائــــح

 تونس اليوم -

روائــــح

حسن البطل

سَفَر قصير مثل "نَوْسَة " عملاقة، صار للسفر القصير "رائحة الطريق"، هل للطريق رائحة؟

شمس ساطعة على سرير إسفلت، وصرير عجلات السيارة، عند المنعطفات بخاصة: وهكذا، رذاذ رائحة الطريق في الصيف.
شمس وراء حُجب من الغيوم، مطر يشطف سرير الإسفلت، نشيش خفيف، مثل الهمس، أو "طرطشة " مثل لغط في مقهى مزدحم .. وهكذا، رائحة الطريق في الشتاء.

السفر القصير يظل مثل "نوسة" البندول من آخر شارع الإرسال إلى مفترق سردا، لكن في الربيع المزهر تطغى رائحة الحقول على رائحة الطريق.

ذلك الحاجز اللعين ينوس، بدوره، من بطن وادي أبو العدس (أو من سرته) إلى كتف مفترق سردا، خالطاً روائح الطريق في غير فصولها.

لم يعد للإسفلت الأسود لون السواد، وتلك الانحناءة نصف اللينة في بطن الوادي، لم تعد تجبرك (إذا كنت في مقعد الوسط من سيارة ركاب 7 + 1)، ان تتمسك بشيء، حتى لا تميل بجسمك على جسم الراكب المحظوظ قرب النافذة.
لم تعد للطريق رائحة الإسفلت الصيفي الساخن، لم تعد له رائحة المطر تحت دواليب السيارة، لم تعد للطريق حتى رائحة الحقول في نيسان وأيار.

خطف ذلك الحاجز متعة السفر القصير، وذلك التأرجح، في نوسة طويلة بين آخر شارع الإرسال وأول مفترق سردا.
طابور من السيارات يعفّر الناس بعطر الديزل المحروق، أو عطاس محركات البنزين، أو يعفّر ثيابهم بالغبار، وتلك النباتات الشوكية المبرمجة على إطلاق شذاها حسب مواقيتها، لا تنجح في مغالبة رائحة الغبار المخلوطة برائحة الوقود منقوص الاحتراق .. والمزيج: رائحة خانقة. فوضى خانقة، "عجقة " خانقة.

بسطة خضراوات "أبو العدس" تبقى في مكانها، فوق سرة الوادي بقليل. الزبائن المختارون لمزروعات حقوله، النقية من "الكيماوي" صاروا زبائن اضطراريين، اذا لم يجدوا البطيخ اشتروا الشمام، اذا لم يجدوا العنب الأحمر اشتروا عنبا ابيض، اذا لم يجدوا ربطة ثوم" بلدية اشتروا رؤوس الثوم حسب الوزن.

كان أستاذ الفيزياء في الصف السابع يشرح لنا ما هي هذه "النَوْسة "، قال: إنها حركة بندول الساعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. قال: إنها حركة المرجيحة. ثم برهن لنا أن حركة كوكب الأرض حول الشمس عبارة عن نوستين طويلتين جدا.

في ذلك السفر القصير، بين آخر شارع الإرسال وأول مفترق سردا كانت النوسة كاملة، إذا غاب ذلك الحاجز، وكان السفر القصير سفراً .. وكانت للطريق رائحة الصيف ورائحة الشتاء ورائحة الربيع.

هذا هو الخريف: "بحر لأيلول الجديد" أو "بر لأيلول الجديد "، صارت للطريق رائحة الحريق، بمعزل عن ثلاثة أنواع من قذائف الغاز يلهو بها الجنود لتفريق "القطيع".

لم يعد الحاجز اللعين نزوة جنود لدقائق أو ساعات.. أو حتى أيام، صار الحاجز ثلاثة أنواع من عوائق الإسمنت: مكعبة تماما، أو مثل حرف T مقلوبا.. وأخيراً، نصف مربعات إسمنتية مفرغة، في علو الرماية وقوفا لإسناد البنادق عليها.

في المقابل، لم تعد الموانع الفلسطينية، على بوابة (المنطقة أ) مثل تدريب أولي: أكياس من الرمل، صارت الأكياس معززة بسواتر من التراب السميك.. ثم صارت معززة بموانع مدرعات من الحديد، مثل إشارة الضرب X مكررة في اتجاهين مختلفين.. ثم صارت معززة بموانع مركبات من العجلات، شيء بين حواجزهم المعززة وتحصيناتنا المعززة يوحي برائحة حريق قريب.

رام الله اسم يومي في الأخبار، حتى إذا ذهبت الأخبار لزيارة "غزوة جنين" و"غزوة بيت جالا" .. وغزوات ضواحي رفح.
شيء ما، في رائحة الطريق.. وفي مشهد الحواجز والتحصينات، يوحي بأن رام الله ستكون بؤرة الحريق الكبير.

عندما يكتشفون أن القدس لن تكون قدسهم، وأن تحصينات القدس لن تكون حصينة .. سيقولون: السلطة مسؤولة. السلطة هي رام الله .. ويجب أن لا تبقى حصينة على الاختراق.

لم يعد السفر القصير سفراً، لم تعد النوسة الطويلة نوسة طويلة، صار السفر مشيا على الأقدام، اختفت رائحة الصيف عن الإسفلت، ولن تفوح رائحة نشيش الماء في الشتاء.

صار "الاتوستراد" زاروباً طويلا، مغبرا، قذرا، مزدحما طوال ساعات الضوء .. وفي ساعات الظلام صار موحشا ومقفرا .. ومهجوراً.

تكتيكات التظاهرات وصلت مداها، وأيضا تكتيكات القصف .. والدخول المدرع والخروج المدرع، المسرح السياسي وصل مداه، لا بد من نقلة جديدة في تكتيكات الاشتباك.. تنقل اسم رام الله من الأخبار إلى صفحات البطولة.

هناك رائحة حريق في هذه النوسة من أول شارع الإرسال إلى أول مفترق سردا.. وربما في شارع نابلس القديم الذي زهق من الحجارة وإطارات المطاط .. وإصابته بجنون ألوان الرايات والبيارق بعد كل صلاة جمعة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روائــــح روائــــح



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia