حسن البطل
لعلّه سقراط الذي "لخم" اغريقياً ساذجاً بهذا السؤال: أنفاسك باردة أم حارّة؟ أجاب: حارّة!. قال: كيف تنفخ على حساء الشوربة ليبرد؟ أجاب: باردة! قال: كيف تنفخ في باطن كفّيك شتاء؟ أجاب المسكين أن أنفاسه حارّة وباردة معاً!
من فيلسوف "المنطق الصوري" إلى عالم النظرية النسبية في فهم الكون، ألبرت أينشتاين (يهودي لم يهاجر إلى إسرائيل).. فإلى الصحافي حسن البطل الذي يقول، من زمان: إن مصير فلسطين ومسار دولة إسرائيل، هما مثل خطّين متوازيين.
ليس المؤرخ بني موريس، هو "المرتد" الوحيد بين مفكّري "مابعد الصهيونية" في إسرائيل، وبعد أن كتب عن "نشوء مشكلة اللاجئين" وتطرق إلى الرواية الفلسطينية عن "النكبة"، ارتدّ وقال: كان على إسرائيل أن تقوم بتطهير أرض ـ إسرائيل من كافة الفلسطينيين.
هناك "منحرفون" عن جادة الحل مثل أحد مهندسي أوسلو، يوسي بيلين، الذي يرى الحل بدولة فلسطينية انتقالية ذات حدود مؤقتة.
هناك معارضون، عنيدون ومخلصون لاحتلال إسرائيل، مثل المعلّق اليساري في "هآرتس" جدعون ليفي، الذي تراوده أحلام صهيونيي "البوند" والمثاليين عن دولة واحدية للشعبين، تحقق العدل والمساواة تدريجياً.. وتغدو معجزة أندلسية ثانية ومزدهرة.
هناك، أيضاً، "مخترعون" لحلّ "إبداعي" يبدأ باستفتاء شعبي، إسرائيلي فقط، حول أي اتفاق بين الجانبين؛ وأي اتفاق يجب أن يطوي صيغة الحل الدولي و(الفلسطيني والعربي) المطروح لأن "دولة فلسطينية لن تقوم بهذه الصيغة" كما يقول محور يائير لبيد ونفتالي بينيت ("يش عتيد"، و"البيت اليهودي").
هناك طير كناري (أو بَبَّغَاء) وحيد في حكومة نتنياهو الثالثة، ويقول بمفاوضات مع السلطة لا تؤدي إلى عودة لاجئ واحد.
هناك، بالطبع، أنصار لدولة فلسطينية محتواة، لا تشمل الكتل الاستيطانية ولا غور الأردن، أو بعض فلسطين ـ الضفة ملحقة بالأردن "الفلسطيني".. أو مستوطنون في سيادة فلسطينية.
* * *
هناك، كذلك، من يدّعي أن "دولة عربية" وأخرى "يهودية" حسب مشروع التقسيم الدولي، كانت فرصة لن تتكرر أضاعها عناد الفلسطينيين.
حسناً، نحن عنيدون، ولو لأن حيفا ويافا وعكا أعزّ على أهل البلاد من "أريئيل" و"معاليه أدوميم" و"غوش عتصيون" على الغزاة.. لكن؟ لماذا يرفضون التقسيم الجديد بنسبة 22% إلى 78%، وترفض حكومة نتنياهو ترسيم حدودها (أي حدود الدولتين مع تعديلات حدودية متبادلة ومتكافئة).
كانت غولدا مائير هي من قال: الحدود حيث يقف الجنود، وجنود إسرائيل يقفون على النهر والبحر معاً. وكان رابين هو من قال بـ "حدود السيادة" و"حدود الأمن"، كما لو أن إسرائيل هي إمبراطورية الولايات المتحدة، حيث يحدّ حدودها محيطان شاسعان، لكن حدود أمن "روما الأميركية" تشمل 778 قاعدة تلفّ العالم وتزنّره؟
تقول إسرائيل إن الانسحاب الأُحادي من جنوب لبنان ومن غزة، لا يشجّع على الانسحاب من الضفة، عدا إيران وهذا "الربيع العربي".
تقول أميركا لإسرائيل إن جنودها سيقفون على النهر والتلال في دولة فلسطين، وليس على حدود سيناء والجولان، وأن إسرائيل انسحبت من جنوب لبنان وغزة أُحادياً، لكن سيكون اتفاق سلام أميركي ـ دولي بين دولتي فلسطين وإسرائيل وتتمتع إسرائيل بهدوء أمني مع فلسطين لم يكن منذ الاحتلال (سوى زيادة الاحتجاجات الشعبية على استمرار الاحتلال).
مِمَّ تخاف إسرائيل؟ من جواب غير ساذج على سؤال سقراط لمواطن ساذج، ومن تحقيق نظرية النسبية لأينشتاين على السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
كل الحروب تنشب بين دول بينها معاهدات سلام، لكن الصراع في فلسطين وعليها سيرسي سلاماً حارّاً، لأن علاقة الدولتين والشعبين ليست كما العلاقة بين بقية الشعوب والدول. الفلسطينيون هناك وهنا واليهود هنا وهناك.
لن يكون هناك فكّ ارتباط لا في حالة استمرار الصراع الساخن، ولا في حالة إرساء السلام الحارّ.
أخيراً، هناك من يقترح تحويل فلسطين بأسرها إلى "كانتونات" فدرالية، وبموجبها تكون كتل يهودية في فلسطين، وكتل فلسطينية في إسرائيل (على غرار النموذج السويسري).
ما تريده إسرائيل هو "جمهورية موز" فلسطينية أو فلسطين "حديقة خلفية" لإسرائيل.. وهذا لن يكون؟!
نقلا عن جريدة الايام