حسن البطل
.. ثم بعد أن سألت: ما هذه "القوربة" في الطرقات؟ فهمت أنها المنعطف أو الكوع. "قوربة" كما لفظها زميلي عبد الله عواد على "الفيسبوك"، مسؤولة مسؤولية ثانوية عن كارثة ضحايا الطريق الخمس بين عين عريك ودير إبزيع.
بعد أربعة أيام لا غير، باشرت وزارة الأشغال توسيع الطريق (راجع ص5 من "الأيام" الأربعاء) والذي فاجأني ـ لم يفاجئني أن الوزارة طرحت عطاء في 28 تشرين الثاني لتوسيع "القوربة" والشارع.. إلاّ أن أصحاب الأراضي اعترضوا وهاجموا طاقم الوزارة.. كما يهاجمون موظفي شركة الكهرباء، ويمنعونهم من قراءة العداد؟
عتبي على زميلي عبد الله المناضل ابن المناضل، وابن عين عريك، أنه لام السلطة ووفّر معارفه من أصحاب الأراضي، علماً أنه في كل الدول التي هي دول ذات حكومات يجوز نزع الملكية لدواعي المنفعة العامة.
"القوربة" ذكّرتني بلفظة شاميّة ترد على لسان المقادسة، وهي "شيتي ـ شيتك" أي "الشيء لي ـ الشيء لك"، وجاءت في رواية "كافر سبت" الممتعة للمقدسي عارف الحسيني.
لساني فلسطيني ـ شامي، وهذا ذكرني بمعنى "يسرائيل شيلانو" أي "إسرائيل لنا" على لسان المستوطنين، فهي تعني "شيء ـ لنا"، ففي العبرية ينطقون "الألف" "واواً" (إسرائيل بتينو). كما تعني "ليش" لأي شيء "وشوباك" الشاميّة "شو ـ بالك" ماذا في بالك.. وهلم جرّا!
السلطة مُلامة في صغير الأمور وكبيرها، مع أنني أسميتها "سلطة التزفيت" الفلسطينية، فقد ورثت بنية تحتية مدمّرة، وكانت مداخل ومخارج الشوارع بين المدن ضيقة ومحفّرة، والآن يعيدون تأهيل المقطع الأخير من آخر شارع رام الله ـ بيتونيا، وهو "شارع يافا" الذي يقودك إلى عين عريك.. وما بعدها يافا.
كان زميلي إيّاه احتجّ على إشارة ضوئية في الشارع، لأنها تهدّر الوقت، وكان قد طالب منذ ما قبل الانتفاضة الثانية بـ "حل السلطة" وهو يطالب بانتفاضة ثالثة مسلحة.. ولا يتوقف عن ذم "سلطة الرواتب".
مصادفة أم لا، باشروا بتوسيع "القوربة" وشارع المأساة في ذات اليوم، حيث أفرجت إسرائيل عن 400 مليون شيكل من مستحقات فلسطينية ضرائبية.
ما العلاقة بين "الراتب" و"قوربة" ضيقة؟ إنها في ذم السلطة بالكبيرة والصغيرة، كما فعل مواطن آخر وموظف، له ثلاثة أبناء في الجامعة، وهدّد باقتراف "حماقة" إن لم تنتظم الرواتب، دون أن يسأل نفسه: هل في أوروبا وأميركا يرسلون ثلاثة أبناء دفعة واحدة إلى الجامعات؟
.. وهل هناك من "يجرؤ" على "ثقافة عدم الدفع" لفواتير الكهرباء والماء، وهذه الفواتير هي ذريعة إسرائيل لحجب مستردات المقاصّة؟ فالمواطن هناك يعرّف عن نفسه بأنه "دافع ضرائب".
كتبت ذات مرة، أن السلطة (أي سلطة) أرقى من الشعب.. أحياناً، وكان هذا ردي على زميل قال بعد انهيار أجهزة الأمن بعد الانتفاضة: لا جرائم ولا مشاكل في البلد.. هذا يعني أن لا ضرورة للسلطة؟ ولكن الجرائم عادت يا سيدي.
وكتبت، أيضاً، أن بناء المواطن أصعب من بناء الوطن.. ولن أقدّم مبررات وأسانيد.
لماذا "يستوطي" الفلسطيني حيط الحكومة والسلطة؟ لأنه حديث العهد بسلطة وطنية، بعد حكم أجنبي طويل ومتواصل، والسبب الثاني أن الحكومة ابنة السلطة، وهذه ابنة المنظمة، وهذه ابنة الفصيل الفدائي.. والجميع أبناء "تحرير فلسطين"!
ومن ثم، فإن سلطة تفاوض أو تعاند مفاوضة إسرائيل، ستدفع الثمن.. ومن هذا الثمن "بلطجة" إسرائيلية على أموال المقاصة و"تطنيش" عربي عن "شبكة الأمان"!
.. وهكذا وصلنا إلى جواب السؤال: "ليش"، ونحن حيارى بين "حلّ السلطة" و"بناء الدولة" وبين بنائها والمفاوضات العبثية لقيامها.
شعبنا ذو "دم عربي حار" مستعد للشهادة والتضحية والفداء، لكنه غير مستعد للقيام، أحياناً، بأبسط واجبات المواطن.
عودة إلى حوادث الطرق، فإن عدد السيارات تضاعف مرات، وفي رام الله سيارات أكثر مما كان في الضفة قبل السلطة؛ والبنوك تطالب بأقساط التسهيلات لشرائها، والراتب "نصف رغيف".
حسناً، أرجو ألا يقع حادث طرق قاتل عند تلك "القوربة" الحادّة على طريق رام الله ـ بيرزيت، لأن مواطناً رفض نزع ملكية للمصلحة العامة، ولأن مواطنين توسلوا لياسر عرفات أن يمر الشارع في "زاروب" قرية "أبو قش".. وتصوروا كم حادثاً كان سيقع لولا هذا الطريق الحديث، مع ازدياد حركة السير وتضاعف عدد السيارات؟
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية