حارس المرمى

حارس المرمى

حارس المرمى

 تونس اليوم -

حارس المرمى

بقلم : حسن البطل

خلقته أمه لهذه اللحظة : عصفور يفرّ إلى ..الخطر. وخلقته قوانين اللعبة الى استثناء القاعدة: الكرة لأقدامهم في قانون الحركة؛ وليديه في قانون اخماد الحركة.

.. وللكرة كل هذا الدلال المشين في التقلب السريع، والانتقال من حلال أقدام اللاعبين (يسرى ويمنى) الى حلال أصابع كفيه العشر. لا يضرب اللاعب الكرة بقدمين اثنتين؛ ولا يمسك حارس المرمى الكرة بأصابع يد واحدة.. قد يركلها بقبضة يد واحدة لينعطف الخطر عن حياضه، لكن لا تنفجر حناجر المشاهدين كما عندما تفرض اصابع حارس المرمى العشر قانون السكون على كرة خلقت لقانون الحركة.

هناك علاقة تعاطف سرية بين الكاتب وحارس المرمى، ولعلها كالتالي: إن ثلاث أصابع تمسك بالقلم .. أو ان اصبعين تساعدان الابهام في الامساك بالقلم. اما حارس المرمى فإن ثماني اصابع تساعد ابهامين للامساك بالكرة من جنون الحركة وتطويعها الى حكمة الاستقرار في لحظة خاطفة، تكفي لتدور اللعبة دورة جديدة.

للاعب في  الفريق ان يدور حول الكرة التي تدور، فتراه مقبلا ومدبرا، ومن الجانب الايمن والجانب الايسر. اما حارس المرمى فكأنه حركة القمر حول الارض، لا ترى الا جانبه المضيء.

 قلما تتخطى حركته صندوق الملعب.. حيث الغلطة البسيطة تتحول عقوبتها من حكم الجنحة الى حكم الجناية، ويصدر الحكَم حكمه في لحظة واحدة: ضربة جزاء. آنذاك، يا للقهر الحقيقي والمفتعل، ويا للفرح الحقيقي او المفتعل.

ضربة الجزاء أشبه بحقل رماية على محكوم بالاعدام يراه الكلّ .. ولا يرى هو سوى شيء واحد: قذيفة قاتلة عليه ان «يقتل» حركتها، ويعقل جنون اندفاعها، وان يفر من «الخطر» المقبل لا كما تفر العصافير، بل كما يهجم الاسد الغاضب.    طلقة الاعدام قاتلة من مسافة 9 أمتار (11 ياردة)، وقذيفة الكرة شبه قاتلة من هذه المسافة .. والفارق؟ ان طلقات الاعدام تتبعها طلقة الرحمة او الاجهاز، وأما قذيفة الجزاء، فهي تحيي انفجار الفرح هنا، وانفجار القهر هناك.. على ملعب واحد، ومدرجات ملعب واحد .. والكل أطفال بعد الهدف بقليل.

لكرة القدم جمال صراع قانون القاعدة مع قانون الاستثناء. ولها، ايضا، هذا «الاله الداخلي» في الصدور.

الحماسة هي هذا الإله ( كما قال اندريه مالرو) الذي يضيء وجه اللاعب .. دون اية «رتوش» من تصنع الكذب، حيث الفرح شعور صرف كالفرح، والغضب شعور صريح كالغضب، والاسى يكوي كالأسى .. دون مجاملة. الكل رجال في اللعب، ولا أحد يعفّ عن خدع الاطفال المعتادة : الغش الصريح والغش المخفي .. ولصفارة الحكم ان تقول كلمتها فاصلة، فتأتي مع العدالة غالبا، ومع الهوى احياناً نادرة.. ولا يستطيع الحكم ان يرى كل شيء، وعليه ان يحسم في كل شيء. لا غنى عنه ان عدل وان مال مع الهوى.

في كرة القدم لا يتعلمون فنون الدراما كما على المسرح. لا يتعلمون فنون الالقاء، ولا قواعد الرقص. مع ذلك يجيدون دراما انفعال الفرح، وكما الاطفال يرتمون على الارض يدقون قهرهم بقبضات ايديهم فيجيدون دراما الحزن، وكما الجرحى يتلوون من الألم.. ويبصقون لعابهم مثلما يحلو لهم ان يفعلوا، ويؤدون الرقصة في منتهى الرشاقة غالباً، وقد تخذلهم في اللحظة الحرجة الكرة الطائشة او ربلات سيقانهم، او كاحل قدمهم. او يترددون بين ركل الكرة بقدمهم او برؤوسهم.. او يغارون عليها غيرة قاتلة من زملائهم. بماذا يصفون الانسان العصامي الناجح؟
يقولون : يقف على أرض ثابتة! او يقولون: يقف على قدمين راسختين .. واما على ملعب الكرة، فإن الاداء الناجح هو العلاقة المتكاملة بين الحركة والسكون.. كما هي بالضبط هذه الكرة التي تذهب في كل اتجاه يشاء اللاعب، وفي اللحظة الحرجة تذهب الى حيث تشاء قوانين الحركة الطبيعية (تحريك ساكن أصعب من تسكين متحرك).

ها هنا يكمن جمال خاص للعبة كرة القدم: حوار بين قواعد الحركة الطبيعية وبين قواعد اللعبة.. وكل فريق يحاول تسخير قوانين الحركة الطبيعية لتكون حليفة وفي الاتجاه الذي يريده: قفص يعلو سطح الملعب 212 سم ويمتد 350 سم .. وحارس مرمى عليه ان يكون مع قوانين اللعبة وضد مجرى اللعب من المرمى الى المرمى.

خلقته أمه لهذه اللحظة الحرجة بين دلال الكرة وعنفوان اللاعب، وهوس الجمهور .. وصفارة الحكم. انه حارس المرمى. وقانونه: الواحد للكل في لعبة قانونها الكل للواحد.

انه حامل الرقم «واحد» غالباً .. او الرقم 22 احيانا.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حارس المرمى حارس المرمى



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia