حسن البطل
تُلفَظْ "تقسيمْ" وتُكتَبْ "تكسيمْ" والحقّ على "أبو الترك" مصطفى كمال، الذي قلبت عسكريته ـ العلمانية كتابة اللغة التركية من الحروف العربية إلى اللاتينية.
منذ أواخر العقد الأخير من القرن العشرين تشهد بلاد الأناضول "انقلاباً" إسلامياً ـ ديمقراطياً على العلمانية ـ العسكرتارية الأتاتوركية، ومن أربكان إلى رجب طيّب أردوغان.
في الفارسية يكتبون، بالأحرف العربية، "انقلاب" ويعنون بالفارسية "ثورة"، فهل في رمضان الوشيك 1434 هجري ستبدأ بحركة تنقيحية ـ إصلاحية للحديث النبوي الشريف، لتكون تركيا الإسلامية تحدّياً للوهّابية، ومن الأخيرة كثر ضلال الفتاوى وغرابتها. "كل شيخ وله طريقة"!
يقولون: القرآن يفسَر الله، والحديث يفسّر القرآن، والرواة يفسّرون الحديث، وبعض الشيوخ يفسّرون كل ما سبق استناداً إلى فهمهم لـ "سُنّة الله ورسوله" كما يدّعون!
مائة عالم سُنّي ولغوي تركي، اشتغلوا ست سنوات على تنقيح نحو 17 ألف حديث منسوب للرسول الأعظم، واختاروا منها بضع مئات، في ما يبدو، ظاهراً، تفسيراً ثورياً إسلامياً تركياً للإسلام، وتحديثاً جذرياً للحديث النبوي، خصوصاً أن المسلمين التقليديين يقولون: "إلاّ رسول الله" في كل تعريض بالإسلام والمسلمين.
في رمضان المقبل، ينشرون في تركيا سبع مجلّدات تحوي "أهمّ أحاديث للنبي محمد، وهي مُبوّبة، أيضاً، ففي باب "تعليم" وهي لفظة في العربية والتركية يبدؤون بالنصّ العربي من الحديث الشريف "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم" مع أحاديث داعمة، ثم شروحها باللغة التركية، بالحروف اللاتينية، ولاحقاً سيترجمونها إلى البوسنيّة والألمانيّة.. وأما العربيّة ففي وقتٍ غير معلوم.
أتاتورك قاد انقلاباً في كتابة التركية بالحروف اللاتينية، وتابع الانقلاب أساتذة لغة أتراك، اجتهدوا في "تتريك" اللغة التركية وتنقيحها ما أمكن من مفردات العربية.
مثل هذه العملية اللغويّة الانقلابيّة ثم الإصلاحية لم تحصل في إيران وأفغانستان، حيث يعتمدون الحرف العربي. والسبب؟ ليس للأتراك، القادمين من وسط آسيا، حضارة سابقة، قبل أن يعتنقوا دين الإسلام، ويؤسّسُوا آخر الإمبراطوريات الإسلامية، بينما للفرس حضارة عريقة جميعها كتبت بالحرف العربي، وغالبيتها باللغة العربية في شؤون الأدب والدين والثقافة.. وتعرفون من الذي وضع قواعد اللغة العربية.
هناك من يقول إن الإصلاح يبدأ بالإصلاح الفكري، وهذا بالإصلاح اللغوي، الذي يتطلّب عربياً زعيماً عربياً عليه شبه إجماع، كما في حالة جمال عبد الناصر.
أحجمَ عبد الناصر عن أن يكون "أتاتورك" لغويا، لا في تبسيط قواعد اللغة العربية، ولا في كتابتها، ولا في إعادة رسم الحرف العربي، مع أنه كان هناك في مصر دعاة لاعتماد الحروف اللاتينية بديلاً من العربية.
تعرفون "إنا نحن نزّلنا الذِّكْرَ وإنَّا له لحافظون"، ولا يمكن للعربية أن تكتب بغير الحرف العربي لأنه "قرآن عربي"، ولعلّه أكثر حروف اللغات الإنسانية مطواعية، وتعرفون دور الفرس المسلمين في "تقعيد" اللغة العربية، وهناك دور إصلاحي في كتابتها مع تنقيط بعض الحروف، منذ أبو الأسود الدُّؤَلي. هناك "خط فارسي" وآخر "عثماني".
وهناك إجماع على قراءة القرآن الكريم، ولو قيل إن له سبع قراءات، تغلب عليها قراءة قريش، لكن ليس هناك إجماع على الحديث النبوي الشريف.
هناك "متن" الحديث وهناك "سَنَدْ" للحديث، وهو سلسلة الرواة، ويميّز الرَّاسخون في علم الحديث النبوي بين الحديث "المتواتر" و"الصحيح" و"الحسن" و"الضعيف" وتعدُّد رواة الحديث، بعد عشرات السنين من وفاة الرسول، بين البخاري، والترمذي، وابن عبّاس، ومسلم... إلخ.
"طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة" حديث صحيح، لكن "اطلبوا العلم ولو في الصين" يُفهمُ منه أن الصين كانت أبعد بلد يعرفه المسلمون، وحتى في القرآن الكريم هناك "أفَلاَ ينظرونَ إلى الإبِلِ كيفَ خُلِقَتْ" لأنّ الإبل معروفة في حياة العرب، وليس "الزَرَافَة" مثلاً أو "التَنِّينْ" الأسطوري، أو "الديناصور"!
لا يكتبون في تنقيح الأحاديث النبوية "نصّاً قرآنياً" كما زعم المتشدّدون المسلمون، بل مجرّد أسلوب في "الحداثة المحافظة".
مثلاً: قطع يد السّارق كانت عقوبة مفهومة في زمن الرسول في سياقها التاريخي والاجتماعي، مثل العقوبات المتشدّدة بالموت على "سرقة الجياد" أوّل فتح أميركا، لأن سرقة هذا وذاك كانت تهدّد الحياة. الآن، هناك نظم اجتماعية مختلفة، ولم تعد السرقة تهدّد حياة وبقاء المسروق، إلاّ إذا رافقها القتل.
ُينسَبُ إلى الرسول الأعظم حديث صحيح في أوانه وزمانه، وصحيح، أيضاً، في هذا الزمان، وهو: "أنا أفقهكم في شؤون دينكم، وأما شؤون دنياكم فأنتم أدرى بها".
تنقيح الأحاديث النبوية يأتينا من تركيا، لا من "الأزهر الشريف" وعلوم النحو جاءتنا من اللغويين الفرس، بينما يبدو الإسلام العربي مجالاً لغزو "الوهّابيّة" الحرفية المتشددة والمتزمّتة، التي ترى "الديمقراطية" حراما وأما "الشورى" فحلالا، مع أن للشورى زمانها، والديمقراطية لها زمانها.
نقلاً عن جريدة " الأيام" .