بشار الحروب  إن نطق الحال بالصمت

بشار الحروب .. إن نطق الحال بالصمت!

بشار الحروب .. إن نطق الحال بالصمت!

 تونس اليوم -

بشار الحروب  إن نطق الحال بالصمت

حسن البطل

 لا تجد في لوحات «شاشة صامتة» غير حشد من الأجسام، لا تميز فيها ذكراً عن أنثى. الكل حفاة عراة، وأحياناً لا تنتهي سيقان جسومها بأقدام.

الجسوم العارية ضامرة، وفي وجوهها حدقات عيون تنطق بالانشداه، وأفواهها المفتوحة تنطق بصراخ مكتوم.

الوجوه هي إياها، إن كانت على حشد من الجسوم في لوحات فسيحة، أو كانت وجوه «بورتريه» (٣٠٠ x ٢٠٠ في اللوحات الكبيرة، أو ٢٩،٧ x ٤٢ في لوحات البورتريه).

الكل بأقلام الرسم الرخيصة لتتعرى لوحات العراة الحفاة من بذح الألوان الزاهية الغالية، ولتؤكد على «وحدة الموضوع» في المعرض: الحال الإنسانية حافية وفقيرة وضامرة الجسوم.. جائعة وخانعة!
ربما تذكرك لوحات معرض «شاشة صامتة» في هشاشتها بما في تماثيل جياكوميني البرونزية عن هشاشة الإنسان، او تذكرك سيقان بلا أقدام، او أقدام لا تقف على أرضية بلوحات فنان فرنسي عالمي يهودي هو شاغال، بعضها في الكنيست الاسرائيلي.

.. أو تذكرك الهشاشة المعذبة لشخوصها بعنوان رواية الأديب التشيكي ميلان كونديرا: «خفّة الكائن التي لا تحتمل» أو «كائن لا تحتمل خفّته» مع استبدال «الخفّة» بـ «الهشاشة».

شخوص اللوحات واقفة، بلا أقدام او بسيقان بأقدام عارية، لكن لو حرّكت اللوحة خيّل اليك أن هؤلاء إما بشر عراة في مشرحة موتى، او بشر قتلى في مجزرة ينتظرون الدفن (بلا أكفان) في قبور جماعية، او حتى موتى يخرجون من قبورهم (زومبي).

لولا أن تلوين خلفية كل لوحة جماعية كبيرة، أو فردية، او وجوه «بورتريه» ملونة بلون مختلف، لخيّل إليك أن هذه اللوحات «فوتوكوبي» عن حالة انسانية مسيطرة.

هل يثير عجبك إن عرفت ما يلي: جميع هذه اللوحات هي ثمرة تكريس الفنان لفنه خلال عام واحد (حوالي ٦٠ لوحة بين كبيرة جدا، ومتوسطة، وبورتريه) لأن الرسم بأقلام التلوين يأخذ جهداً لا يأخذه تلطيخ اللوحة بفرشاة الألوان الزيتية مثلاً.

لا تجد في الوجوه، عيوناً وأفواهاً، سوى الانشداه والخوف وصرخات صامتة كاحتجاج سلبي. لا أحد يرفع يده العارية في احتجاج، ولا قبضته.. ولا أحد يدير ظهره. الجميع في صيغة الإنسان المفرد (هومو) أو المفرد في صيغة الجمع.

إن حضر الأمل والحلم والتغيير في لوحات قليلة، فهو يحضر ليلقي ثقلاً من مساحات لونية، إما على ذراعين مفتوحتين كأن الكائن الهش، الجائع، الضامر، الخانع على الصليب، او يحمل فوق رأسه ثقلاً من الحلم - الأمل، او يضغط الأمل - الحلم على الجسوم الضامرة - العارية من الجانبين ويعصرها كأنه أداة تعذيب!

الحلم - الأمل الملون لا يستر جسوماً عارية، ضامرة لكنه مثل كتل كثيفة من أغطية الفراش والسرير لا تستر العري.

قلت أن لا ذكر ولا أنثى بل إنسان (هومو - يونيسكس) فالرؤوس صلعاء، والأجسام العارية - الضامرة بمعدات خاوية تخلو من رسم أعضاء التذكير والتأنيث، لكن لا تخلو أجسام عارية من آثار الأعضاء الداخلية ولو بالترميز فقط.

لوحة واحدة، ضامرة - عارية لا غير يعتمر رأسها خوذة جندي، كأن الحرب هي سبب التعاسة والخراب، والجندي يحمل طفلاً أخضر بلون الخوذة كأنه سيذهب في شبابه الى حرب وخراب.
أمام هذا الرعب والخراب يقول الفنان: «لا أشعر بجنسي، وديني او لوني او جنسيتي او حدودي .. لا شيء أبداً لا شيء».. سوى البؤس، الجوع، الفقر، الخوف أن ترى الموت أو تحياه.

معرض «شاشة صامتة» في صالة One - رام الله حتى ٧ كانون الأول، وقد يتجول المعرض خارج البلاد. الفنان لا يتوقع البيع ولا يهمه!

الفنان من مواليد قرية خاراس - الخليل عام ١٩٧٨، ولديه معارض دولية وزمالات إقامة دولية كثيرة.
لماذا «شاشة صامتة»؟ يقول الناقد الفني البريطاني جوناثان هاريس إن من وظائف الشاشة: الإظهار والإخفاء معاً .. وهذه هي لعبة الفنان بشار الحروب في معرضه، وقد استطاع تفصيلها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بشار الحروب  إن نطق الحال بالصمت بشار الحروب  إن نطق الحال بالصمت



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia