حسن البطل
بصراحة؟ يدي على قلبي .. خوفاً من تعديلات حدودية تعني مبادلات او مبادلات تعني مقايضات، ومقايضات تعني ماذا؟
اسمعوا هذه الحكاية عن كيف صارت المبادلات مقايضات غير متكافئة في القيمة.
كان المستعمرون الأوروبيون الأوائل يبادلون او يقايضون البضائع ببضائع مع رجال الغابات الإفريقية. كانوا يضعون على تخوم الغابات أكواما من الخرز والمرايا والملح، وكان رجال الغابات الأفارقة يضعون في مكان التبادل - المقايضة أكواماً من جلود الحيوانات وأنياب الفيلة ووحيد القرن، وحتى بعض الذهب والماس.
كان الملح بضاعة نادرة في الغابات الأفريقية، وكان الخرز ضروريا لصنع أطواق على رقاب رجال الغابات، وكانت المرايا ضرورية لرؤية الوجوه .. وأما جلود الحيوانات وأنياب الفيلة .. وحتى الذهب والماس فهي البضائع المطلوبة من المستعمرين الأوائل.
نعم، من حيث المبدأ كانت المقايضة تبدو عادلة للطرفين من حيث "القيمة" آنذاك.. ونعم، من حيث المبدأ، فالمبادلات الحدودية تعني التعديلات، وهذه ترسيم الحدود.
لماذا الحذر؟ لأن المبدأ لا يعني عدالة في النسبة والتناسب، وهذه لا تعني عدالة في التكافؤ والقيمة .. ولأن العالم يسجل التنازلات وينسى التحفظات المرفقة بها.
عندما يحكون عن نسبة التبادل ماذا يعنون على أرض الواقع؟ كل ١٪ من مساحة الضفة يعني ٥٥كم٢، أي مساحة مسطّح تل أبيب.
الفلسطينيون يقترحون تبادلاً بنسبة تتراوح بين ١،٩٪ حتى ٤٪ وهذا يعني ان الإسرائيليين في حكومة أولمرت عرضوا تبادلاً بحجم ٦ - ١٠٪ وهذا يعني ٣٣٠ - ٦٠٥كم٢ مع تعويض مقابل بنسبة ٤٪ - ٥،٥٪.
الأميركيون يقولون أن مساحة الدولة يجب ان تكافئ مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكنهم تركوا نسبة التبادل إلى المفاوضات لتكون "متفقا عليها".
كما قالت المبادرة العربية ٢٠٠٢ بصورة نسبية متفق عليها .. او كما قال عرفات: بنسبة لا تخل بتوازن إسرائيل الديموغرافي.
المسألة التبادلية غير بسيطة أبداً، لماذا؟ لأن كتلة غوش عتصيون هي أرض زراعية خصبة، وكذلك كتلة ارئيل، أما كتلة هارحوما فكانت غابة خضراء صارت غابة حجرية، في حين ان كتلة معاليه أدوميم كانت أرضاً جرداء تقريباً.
ما هو وجه الخطورة؟ أن التبادلات مقترحة كـ "مرجعية" تذكرنا بمرجعية مدريد، او تذكرنا بمرجعية أوسلو، او تذكرنا بمرجعية "خارطة الطريق"، او "الحل بدولتين". السؤال: هل قبلت إسرائيل عن نيّة طيبة بهذه المرجعيات؟
تقول المبادرة او مشروع السلام العربي بعد التعديل "تبادل طفيف" ومتفق عليه. ماذا اذا فهمت اسرائيل من هذا ان يكون التبادل غير متكافئ بين الجغرافيا والسكان؟ أي تعطينا ام الفحم مثلاً او باقة الغربية، في مقابل ارئيل وغوش عتصيون؟
عندما أقامت اسرائيل الجدار العازل أو الفاصل قالت انه "أمني" ثم قالت أنه "سياسي" أي يرسم الحدود مبدئياً. حسناً، لماذا واصلت تنمية المستوطنات المعزولة شرق الجدار.. وحتى لماذا تقوم بشرعنة او تسويغ البؤر الاستيطانية؟
صحيح أن المبادرة الى قبول تبادلات أرضية تشكل انعطافة أولى نحو ترسيم الحدود، لكن الانعطافة الثانية هي في قضية اللاجئين وحق العودة، ومن ثم قد ترفع إسرائيل شعاراً: إما العودة وإما السلام (الدولة). شخصياً أختار الدولة؟
ما يبدو "تعديلات طفيفة" فهم منها كيري انها "خطوة كبيرة جداً" للأمام، ولقيت ترحيبا من أوساط في أحزاب الحركة - ليفني، يوجد مستقبل - يعقوب بيري، العمل - شيلي يحيموفتش، ميرتس - زهافا غالئون .. وبالطبع، معارضات من "حماس" و"الشعبية" وفصائل وشخصيات فلسطينية اخرى.
يقترح كيري، قبل هذه "الخطوة الكبيرة" وبعدها، التحرك على ثلاثة مسارات: اقتصادية وامنية، وسياسية، على ان يكون المساران الأولان جزءا من المسار السياسي.
إسرائيل توافق، انتقائياً وجزئياً، وتقدّم المسار الأمني ثم الاقتصادي على المسار السياسي .. بما يذكرنا بتقسيم الضفة الى (أ.ب.ج) المستمر منذ ٢٠ عاماً.
إسرائيل وضعت "خطاً أحمر" متحركاً إزاء القنبلة الإيرانية. أميركا وضعت خطاً احمر متحركاً ازاء السلاح الكيماوي السوري .. لكن في الضفة لم يعد يوجد "خط اخضر" ولا خطوط حمر!
التعديلات هي: افتح يا قمقم (سيخرج الشيطان والمارد) او افتح يا سمسم (باب مغارة كنوز السلام.. او سنسير مع إسرائيل في حقل ألغام .. مطلوب من أميركا أن تنزعها؟! او تقول لا نستطيع سلاماً لا يريده الطرفان؟!
نقلا عن جريدة الايام