حسن البطل
هناك "الحيرة" و"الدهشة" و"المفاجأة" لكن سأختار "اللَّخمة" ربما لأنها ابنة عمّ "المفاجأة" من حيث قصور التعامل معها؛ فالحيرة للعاقل، والدهشة للطفل والفنان والشاعر... و"اللّخمة" للذي أُسقط في يده.
ومن ثم؛ شكراً للانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي كانت "مفاجأة" لدوائر سياسية غربية، لكنها أصابت "العقل السياسي اليهودي" في إسرائيل بـ "اللّخمة"، لماذا؟ لأن نقلة غير متوقعة في بيادق رفعة الشطرنج، المسماة "الملف النووي" أجبرت دوائر الغرب السياسية على تعديل نقلات مضادّة في اللعبة.
الإيرانيون سادة الشطرنج القدماء، كما حبكة خيوط "السجّاد العجمي".. ومن ثم، تأخر الحسم في "الملف النووي" عاماً آخر، ومن خريف هذا العام إلى العام المقبل.
جيد أن يتفوق "العقل الفارسي" على "العقل اليهودي" في لعبة الشطرنج النووية، وأن يصاب نتنياهو صاحب شعار "إيران.. إيران.. إيران" بما يشبه "اللّخمة" لأن الاحتكار النووي الإسرائيلي في المنطقة يوشك على الانتهاء، ولأن احتكار "الدولة الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة انتهى.. ولأن النقلة الديمقراطية الإيرانية صارت موضع خلاف بين أميركا (والغرب) وبين إسرائيل.
هناك في إسرائيل من كان يشبّه نتنياهو وموقفه من الملف النووي الإيراني بـ "ونستون تشرشل" وموقفه من النازية، ولخّص تشرشل الصراع كالآتي: الحرب يرويها المنتصر والهزيمة تنتج المقاومة، والنصر يدعو للفخار والعزة.
يهمنا ماذا قال تشرشل عن أميركا والأميركيين فهم يرون "فرصة في كل عائق" والتقط معلّق صحافي إسرائيل هذا الوصف، فقال إن اليهود وإسرائيل مغرمون بالنزعة السوداوية فهم يرون العائق في كل فرصة".
بعد تعامل مختلف أميركي ـ إسرائيل في مسألة "المفاجأة" من الانتخابات الإيرانية و"اللّخمة" الإسرائيلية من هذه النتيجة، سنرى كيف يتعامل العالم وأميركا مع "فرصة أخيرة" لمسألة "الحل بدولتين" بعد تصريحات نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، داني دانون، ثم تصريحات وزير الاقتصاد والتجارة نفتالي بينيت.
الأول قال إن حكومة نتنياهو غير جدية في مسألة "الحل بدولتين" والثاني قال إن هذا الحلّ مات، وأن على إسرائيل أن تضم اليها المنطقة (ج)، وما يتبقى من الضفة تديره حكومة فلسطينية ذات حكم ذاتي للسكان.
أثارت تصريحات نائب الوزير الليكودي ووزير "البيت اليهودي" زوبعة في فنجان الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، ولكنها لن تؤدي إلى فرط الائتلاف، ولا إقالة نائب الوزير أو استبدال نواب "البيت اليهودي" في الائتلاف بنواب "شاس" فينسحب نواب لبيد، ويضطر نتنياهو إلى الائتلاف مع نواب "العمل".
يبدو أن تصريحات نائب الوزير ثم الوزير تعتبر رداً على خطاب وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، في لجنة العلاقات الأميركية ـ اليهودية يوم 4 حزيران، وربما دفعت هذه الردود السيد كيري لتأجيل جولته الخامسة.. وربما إلى أجل غير مسمّى!
نعرف أن إسرائيل "ملخومة" بهذا السؤال الذي "لخم" الحركة الصهيونية قبل إقامة الدولة، وبعد إقامتها: "من هو اليهودي؟" .. والآن، هذا السؤال: "من هي إسرائيل؟".
بينيت يقول: "أرض إسرائيل هي لشعب إسرائيل".. لماذا؟ "أبونا إبراهيم سار على هذه الأرض".. ومن ثم فإن الثرثرة التي تحاول "لخم" الفلسطينيين عن دولة يهودية ـ ديمقراطية معناها: إسرائيل التوراتية. لا دولتان. لا دولة واحدة... بل دولة احتلال وفصل عنصري.
صحيح أن اليهود يرون في كل فرصة عائقاً. مرة في عبد الناصر، وأخرى في صدام حسين، وثالثة في إيران، ورابعة في "المدّ الإسلامي". هذه مسائل أمنية، أما دولة فلسطينية فمسألة سياسية وجودية.
يقول الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان، (صاحب كتاب "الزمن الأصفر" الذي تنبأ بالانتفاضة الأولى): "إسرائيل في وضع دولي هزيل جداً لن ينقذها منه سوى تغيير حاد جداً يأتي من الخارج".. أي من الولايات المتحدة وأوروبا.
نقلا عن جريدة الايام