حسن البطل
إذا قالوا: "الإسلام دين ودنيا" فإن الإسلام الشيعي الإيراني يقول بالاجتهاد في شؤون الدين؛ والاجتهاد في شؤون الدنيا.
يختصرون شؤون الدنيا بصندوق الاقتراع، أي بالخيار الديمقراطي وتداول السلطة، فهي معدن الذهب الثمين؛ والذهب أبيض وأصفر؛ والذهب الأصفر له عيارات 14، 18، 21، و24.
لا يوجد ذهب للتبادل من عيار 24، ولا ديمقراطية من هذا العيار، ومن ثم قد نرى أن انتخاب حجّة الإسلام المعتدل حسن روحاني هو ديمقراطية من عيار 18 ذهب. لماذا؟
فاز بغالبية النصف زائد كسور عشرية 50,68% أي بـ 18,6 مليون صوت من أصل 50,68 مصوّت، وبمشاركة 72,7% من أصحاب حق الاقتراع.
هل في الأمر "مفاجأة"؟ "نعم" و"لا". نعم لأنّ توقعات فوز متنافس محافظ طاشت، و"لا" لأنّ الذكاء الإيراني لا يتجلّى في مقارعة العالم حول الملفّ النووي فقط، بل لأنّ ذكاء الجناح المعتدل في النظام دفع المرشّحين المعتدلين (الرئيسان السابقان: علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي) للوقوف وراء حسن روحاني) بينما تشتتت أصوات المرشحين المتشدّدين، فأحرزوا معاً أقل من نصف أصوات نالها حسن روحاني.
من "اللا" إلى "اللا" الكبيرة، التي تسود مفاهيم ديمقراطيات الغرب عن ديمقراطية الإسلام، لأن مرشّح الإخوان في مصر فاز بغالبية 51,85% وفاز حزب "العدالة والتنمية" في تركيا بغالبية 58% من الأصوات.
قدمت إيران "حجّتها" في الديمقراطية، وأعطت المصريين درساً، لأنّ مؤيدي الإخوان تكتّلوا خلف محمد مرسي عموماً، لكن مرشحي المعارضة لم يتنازلوا لبعضهم بعضاً، لا في الدورة الأولى من الاقتراع (صبّاحي، برادعي، موسى) ولا في الدورة الثانية (مرسي وشفيق). ولاتَ ساعةَ مندمِ!
أيضاً، إيران أعطت إسرائيل درساً، وهو إنهاء احتكارها لثنائية قطبية: الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، أي احتكار ثنائية القوة والديمقراطية.
قد يقول قائل إن الله والمشروع النووي والاقتصاد كان وراء نتيجة صعود المرشح المعتدل، وقد يردّ قائل إن المال والقطب الأوحد العالمي والاقتصاد كان وراء انتخاب باراك أوباما، بل ومن سبقه ومن سيليه، وفي الأقل فإن "الريال" الإيراني لا يحمل عبارة "بالله المستعان" كما على الدولار الأميركي.
الحرب ضد إيران صارت خياراً مستبعداً، وجولة مفاوضات (5+1) صارت خياراً مطروحا، لأن الرئيس الجديد أدار المفاوضات النووية عامي 2003 و2005، وهو على العكس من الرئيس المنتهية ولايته، أحمدي نجاد، لا يقود خطاً متصلباً في مواجهة العالم، ولا خطاً يتجاهل أثر العقوبات الاقتصادية على بلاده.
.. ومن ثم، فإن إيران سوف تجتاز بسلام حافة "القدرة النووية" السلمية، بما يمكّنها من بلوغ حافة "السلاح النووي" في وقت قصير، إذا قرر "إمام الزمان" ومرشد الثورة.. وهو لن يقرر إلاّ في الوقت المناسب.
كانت إسرائيل ودول الغرب، وبخاصة أميركا، قد ربطت مسألة الملف النووي والهجوم على إيران بنتيجة الانتخابات الرئاسية. إذا فاز مرشح معتدل رجحت كفّة المفاوضات النووية، وإن فاز مرشح محافظ رجحت كفّة ضرب المشروع النووي الإيراني.
الآن، الغرب مستعد للتعاون والمفاوضات، لكن إيران ليست على استعداد للإذعان لشروط الغرب في المفاوضات النووية، وإسرائيل لن تذهب إلى حرب دون مظلة أميركية.
لا أحد يحكي في انتخابات 2013 كما حكى في انتخابات 2009 التي أعطت رئاسة ثانية للرئيس المحافظ أحمدي نجاد، لأن الانتخابات هذه المرة كانت بلا شبهة تزوير.
كان لطهران "ربيع أخضر" مع الإصلاحيين برئاسة مير حسين موسوي، وكانت لها حركة احتجاج أضعف 2003، والآن تفتّح ربيع الاعتدال، وقد يشمل ذلك العلاقة بين الشيعة والسنّة في العالم الإسلامي.
إيران الديمقراطية والنوويّة تشكّل تحدّياً لإسرائيل، ولا تشكل خطراً لا على العرب ولا على المسلمين السنّة، وكل هذا الحديث عن "الخطر الصفوي" كلام مسموم.
يمكن للإسلام أن يقدم نموذجاً ونماذج للديمقراطية.
نقلا عن جريدة الايام