حسن البطل
شو ناقصنا؟ هذا الصيف الأشد حرارة في بلادنا (وفي العالم منذ العام 1880) أزمة شعبية ونقابية وفصائلية رداً على أزمة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين ـ في الشرق الأدنى).
سننظر إلى "الكأس الملأى" في أزمة موسمية، فنجدها "أزمة نمو" رافقت الوكالة منذ تأسيسها في العام 1950.
بعد أن كانت الإغاثة والإعاشة هي النشاط الرئيس في سنوات الوكالة الأولى، صار التعليم والصحة يأخذان النصيب الأوفر من نشاطها، أي القسط الأكبر من ميزانيتها السنوية، التي تعتمد، أساساً، على التبرعات.
أزمة نمو في عدد اللاجئين المسجلين (تضاعفوا تقريباً عشر مرات) وتالياً، عدد المدارس لاستيعابهم، ومن ثم أعداد الكادر الوظيفي بين معلم وإداري.
كأن هذا "النمو" لا يكفي ليشكل أزمة تمويل، لأن حروب المخيمات أضيفت لها أعباء الحروب الأهلية العربية، وهذه وتلك تطلبت تعمير ما خرّبته الحروب من مدارس الوكالة، إضافة إلى التوسع الأفقي الكمي للاستيعاب، وأيضاً التوسع الآخر في معاهد التعليم الفني والمهني، لإعداد أولاد اللاجئين إلى احتراف مهنة، لأن الوكالة هي للإغاثة والتشغيل (في لبنان مثلاً هناك 67 مهنة محظورة على عمل اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد).
مع ذلك، فلا شيء ينجح كالنجاح كما يقول مثل أميركي سائر، والأونروا قصة نجاح، خاصة في التعليم والصحة.
هل هي مصادفة أن تتفوق مدارس الوكالة في أماكن اللجوء الفلسطيني على المدرسة الرسمية العربية؟ وأن يحرز طلابها أماكن طليعية في نتائج الامتحانات المدرسية. مثلاً في سورية، ومخيم اليرموك بالذات، أحرز طالب فلسطيني المرتبة الأولى في امتحانات شهادة الدراسة الثانوية هناك، وكذا في الأردن.
صحيح، أن المدرسة الرسمية السورية قد تكون أحسن حالاً من مثيلاتها العربية، لكن هل هذا يفسر كيف أن كبار النافذين في سورية بمن فيهم قادة عسكريون، كانوا يسعون لتعليم أولادهم في مدارس الوكالة؟
إذا كان الفلسطينيون، قبل النكبة واللجوء، وخاصة بعدها قد صنعوا "ثورة تعليمية" فإن قسطاً كبيراً من الفضل يعود إلى مدارس وكالة الأونروا.
تعتمد مدارس الوكالة المناهج الدراسية المعتمدة في كل بلد من بلاد اللجوء، لكن إدارات هذه المدرسة ذات حسّ ومسؤولية وطنية، وفوق ذلك تتمتع بنظام إداري ومالي قد يكون أحسن من مثيلاتها في المدارس الرسمية العربية.
على كثرة أزمات اللاجئين في الشتات العربي مع النظام العربي، وأزمات م.ت.ف، أيضاً، فإن العلاقة بقيت حسنة وجيدة بين المنظمة والسلطة الفلسطينية ووكالة الأونروا، فريدة الوكالات الدولية المعنية بحركات اللجوء في المنطقة والعالم، باعتبارها ذات ديمومة زمنية طويلة ومنتظمة.
في الأزمة الحادة الراهنة في قطاع التعليم، هناك من يشمّ رائحة "مؤامرة لتجفيف الوكالة، ومعها قضية اللاجئين و"حق العودة"، وهي ظنون قد لا تكون في محلها، إلاّ إذا عجزت الوكالة عن تدبير نفقاتها على غير العادة في كل أزمة سنوية، وكل هذه الأزمات هي "أزمات نمو".
أزمة نقص التمويل قد تجرّ إلى تأخير افتتاح السنة المدرسية في مدارس الوكالة، بما يؤثر على 225 ألف تلميذ، لكن مؤشرا آخر في جودة الخدمات الصحية، وهي الباب الثاني في نفقات الوكالة كان خطيراً.
حسب تقارير رسمية من الوكالة، فقد انتكست نسبة وفيات الأطفال في غزة، للمرة الأولى منذ نصف قرن (في العام 1960 كان يموت 127 طفلاً قبل عامهم الأول، وتراجع عام 2008 إلى 20.2 من كل ألف طفل، وعاد للصعود إلى 22.4 في العام 2013. هذا مؤشر على تأثير الحصار والحروب في غزة.
كيف ستتوصل مفوضية الأونروا إلى إدارة الأزمة؟ لا يكفي إعلان معلمي الوكالة أنهم سيواظبون دون انتظار أجورهم، كما ليس من الضروري الضرب على وتر "تسييس" الأزمة.
قد تكون لمشكلة اللجوء جذور سياسية، لكن مشكلة "الأونروا" هي أزمة نمو أوَّلاً.
***
عملت أختي آمنة وابنة أختي إنعام في خدمة مدارس الوكالة، خاصة في مدرسة ترشيحا في مخيم اليرموك حتى نهاية الخدمة، رحمهما الله، وكانتا تَلقَّتا التعليم في المدارس الرسمية السورية.