وجدت جواباً على نصف حيرتي، بفضل مقالة الزميل عادل الأسطة («دفاتر الأيام»، الأحد 24 تموز): رواية «آرابيسك» لأنطون شماس لم تترجم، بعد، من العبرية إلى العربية!
كنتُ أسأل المكتبات ومعارض الكتب عن ترجمتها، ولو نقلاً عن لغات عالمية أخرى، ما دامت حظيت باهتمام روائيين عرب، بل وكان لها أثرها في روايات بعضهم!
شماس هو ابن فسوطة الجليلية، ونشرها عام 1986، كأوّل رواية فلسطينية بالعبرية، لكن في دراسة يمنى العيد عنها، استناداً لتراجم بلغات عالمية أخرى، جاءت فسوطة (فاسوتا) وثريا (سريا).. إلخ.
أنطون ترجم للعبرية رواية «المتشائل» لإميل حبيبي 1974 وتأثّر بها في روايته «آرابيسك» وأشادوا بترجمته. ماذا عن روايته «القرين»!
حسناً، أشاد النقّاد الأدبيون الإسرائيليون بإغناء أديب فلسطيني للغة العبرية، ربما لأنه فكّر بالعربية وكتب بالعبرية، أي نقل جماليات الأولى إلى الثانية.
نصف حيرتي الآخر، هو ما دام شماس ترجم «المتشائل» إلى العبرية، لماذا لم يترجم «آرابيسك» إلى العربية، أو أنه ترك الأمر لسواه، وغادر إلى الولايات المتحدة، بعد أن «تنبّأ» في رواية صدرت قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، خلال مقابلة عبرية معه، أن يأتي زمن تداعياتها لدى «عرب إسرائيل» بل وسيكون مشاركاً في الانتفاضة لهم (حصلت لاحقاً في هبّة أكتوبر 2000).
في وقت يقارب صدور «آرابيسك» صدر لدافيد غروسمان كتاب «الزمن الأصفر» الذي «تنبّأ» فيه بالانتفاضة، وتمّت ترجمة كتابه، وهو ريبورتاج طويل إلى العربية، ومن قبل ترجمت رواية «خربة خزعة» ليزهار سيملانسكي إلى العربية، وفيها أن جيل النكبة سيكون جيل الثورة الفلسطينية، لاحقاً.
هناك ثغرة روائية في التراجم الفلسطينية الوافرة من العبرية، ومعظمها كتب سياسية وعسكرية وأيديولوجية وتاريخية، كما في تراجم «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»، و»مركز الأبحاث ـ م.ت.ف».. والآن منشورات مركز «مدار» المتعدّدة والمتلاحقة.
هناك من يقول، عندنا وعندهم، أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يدور، أيضاً، بين «روايتين» أو بين «مجتمعين» أو «شعبين».. وأحياناً (خصوصاً عندهم) بين «حقين».
هل أقول إن ما ينقص معرفة «الآخر» في مجال الأدب، والرواية، خصوصاً هو «الأدب المقارن».
العربي ـ العبري، وخصوصاً الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بعد أن ولّى السؤال الإسرائيلي الاستعلائي: أين هو أدب الفلسطينيين وروايتهم (وفنهم وشعرهم) إن كانوا، حقاً، شعباً؟
لديهم ما قد ندعوه «أدب الهولوكوست» ولدينا ما ندعوه «أدب النكبة».. ومن الذاكرة واللجوء والحنين، كما في روايات جبرا ابراهيم جبرا ومجايليه، نموذجاً لا حصراً، إلى روايات غسان كنفاني عن بداية «الاشتباك» زمن الثورة، كما في «عائد إلى حيفا» مثالاً لا حصراً.
هذا رافدٌ أوّل، جدولٌ أوّل، لنهر الرواية الفلسطينية الصادرة في المنفى، ويمكن أن نرى في روايات إميل حبيبي ومجايليه، مثالاً لا حصراً، جدولاً آخر للرواية الفلسطينية التي تُرجمت إلى العبرية (فاز حبيبي بجائزة إسرائيل للأدب) وإلى حبيبي قد نضيف «آرابيسك» أنطون شماس، التي لم تترجم، للأسف، إلى العربية حتى الآن.
هل نضيف جدولاً آخر، هو روايات اللبناني ـ الفلسطيني، إلياس خوري، من «باب الشمس» التي ترجمت للعبرية، صعوداً إلى «اسمي آدم» وهي قمّة في روايات «الاشتباك»، وفازت «باب الشمس» وصاحبها بجائزة فلسطين في الأدب 1998.
خلاف خوري، الذي عايش «الاشتباك» عن بُعد، من التزامه الفلسطيني وقراءاته للتراجم الروائية والتاريخية العبرية، سنصل إلى رافد وجدول رابع هو «أدب العائدين» إلى البلاد زوّاراً بجوازات أجنبية، كما حال روايات ربعي المدهون، وروايته الأخيرة «مصائر» الفائزة بـ»بوكر» العربي لعام 2016، وسابقتها «السيدة من تل أبيب» التي وصلت للقائمة الطويلة في جوائز «البوكر» العربية.
يُقال إن دافيد غروسمان تساءل: لماذا غياب رواية عربية أو فلسطينية عن صراع القدس، فقام روائي عراقي، لا أذكر اسمه، بنشر رواية «أنوار القدس»، دون أن يزور فلسطين.
في رأيي أن رواية «كافر سبت» لعارف الحسيني، المقدسي، خير من يجيب عن سؤال غروسمان، لأنها تشكل ذروة في «الاشتباك» الروائي الفلسطيني ـ الإسرائيلي حول القدس، ولا أعرف هل تُرجمت للعبرية، لكن أعرف أن عارف الحسيني في صدد رواية أخرى عن «الاشتباك» حول القدس، وغنية جداً بالتفاصيل المعاشة واللذيذة.. واللاذعة.
محمود درويش أجاب، شعراً، عن السؤال الإسرائيلي: اين شعر الفلسطيني، منذ أن أشار شارون إلى قصائده، إلى تفكير وزير التعليم السابق، يوسي سريد بإدخال مختارات منها في منهاج مدرسي للأدب، إلى ضجة برنامج مقابلة أريه غولان، مع الطيب محمد حمزة غنايم، في إذاعة الجيش «غالي تساهل» عن شعر درويش، الذي شبّهه ليبرمان بكتاب «كفاحي» لهتلر.
لكن، بعد الاحتلال، حثّ موشي دايان على تفهّم أسباب شعر فدوى طوقان، وأن «ننصت إليهم وآمل أن ينصتوا إلينا» رغم قولها: «لا يشبع جوعي إلاّ كبد عدوي» بناءً على قصيدة درويش «سجّل أنا عربي».. و»إن جُعت آكل لحم مغتصبي» إلى أن انتهى إلى قصيدة «اثنان في حفرة»، وقبلها قوله شعراً من على صهوة جبل «الكرمل»: «كل ما كان منفى يعتذر من كل ما لم يكن منفى».
ويبقى «الأدب المقارن» بعيداً عن اشتباك الروايتين الأدبيتين: الإسرائيلية والفلسطينية.. ربما إلى حين آخر.