اليوم، ما من سفيه أو أحمق يهوّن ويسوّغ جدار الفصل الإسرائيلي، كما فعل شارون، عندما قال إن البداية بعزل القدس المكبّرة بالجدار أمر يقارن، من حيث الطول، بأسوار حاضرة الفاتيكان في قلب العاصمة روما!
مع البدء بـ42كم أخرى من ترقوميا إلى جنوبها، بحضور نتنياهو شخصياً، وكذا وزير دفاعه، ورئيس أركان الجيش. هل استكملت إسرائيل سد "ثغرات" الجدار على طول يضاعف طول "الخط الأخضر"، ويقضم مساحة 18% من الضفة الغربية؟
إلى ذلك، أنجزت إسرائيل جداراً على حدودها مع مصر، وآخر على خط وقف النار في الجولان، وباشرت بناء جدار ثالث على حدودها مع الأردن، بدءاً من العقبة ووادي عربة، ليمتد على طول الضفة الغربية لنهر الأردن، ليستبدل سوراً من الأسلاك الشائكة والموانع وحقول الألغام، وكذا جدار رابع على حدودها مع لبنان.
بذلك، تصير إسرائيل دولة مُسوّرة ـ مُزنّرة، إن في حدودها مع فلسطين السلطوية، أو في حدودها مع الدول المجاورة، علماً أن إسرائيل ستباشر بناء جدار تحت ـ أرضي مع غزة، كوسيلة أخرى لمنع بناء أنفاق تجتاز الخطوط!
هذا، ليس يقارن بـ "سور الصين العظيم" الذي أضحى مَعْلَماًُ سياحيّاً في جولة بالعربات، أو سيراً على الأقدام، فجدران إسرائيل تكنولوجية مُزوّدة بأجهزة استشعار وإنذار للتدخل السريع.
هل نقارنه بالجدار الألماني على سواحل فرنسا الغربية لصدّ جيوش الحلفاء ومنعها من إنزال النورماندي الشهير؟
كلا، لأنه ليس في المستقبل المنظور والبعيد، خطر جيوش عربية تهدّد إسرائيل، كما أن خطر الارهاب لا يهدّد وجودها.
إضافة للجدران هذه، فإن لإسرائيل ذراعا عسكريا بحريا متفوقا، مع غواصات الدولفين الألمانية، وكذا ذراعا جويا متفوقا مع طائرات (F35) الأميركية، وآلاف من الدبابات تفوق ما لدى حلف الأطلسي في أوروبا.
زرت صديقاً في وزارة الخارجية الفلسطينية، فوجدت على طاولته قطعة إسمنتية صغيرة جداً في غلاف بلاستيكي مع معلومة عن بدء موسكو في جدار برلين 1961 وانهيار الجدار 1989. إنها سهلة التفتت بالمطارق كما فعل الألمان، لكن مع تعبٍ شديدٍ فتّت الفنان خالد جرار بالمطارق ما يكفي لصنع كرة إسمنتية من جدار القدس الصلب صارت تجوب المعارض في عواصم العالم.
من عقلية "سور وبرج" حول المستوطنات اليهودية الأولى، قبل إقامة إسرائيل، إلى دولة مُسوّرة ـ مُزنّرة بالجدران، حتى أن بعض مستوطناتها خارج الجدار والكتل الاستيطانية، إما لها جدار، أو أسوار من الأسلاك مع أجهزة مراقبة إلكترونية.
في غياب خطر وجودي، تجدّد في إسرائيل سجال حول هُويّة الدولة، ومكانة الجيش من الصهيونية كجيش الشعب، إلى جيش بدأ يتأثّر باتجاهات تهويد الدولة.
إلى ذلك، هناك وثيقة مُطوّلة، لشاعر يهودي ـ عربي، هو ايرز بيطون، تطالب بالاعتراف الثقافي بالذات الشرقي ـ العربي، وكذا تجدد حركة ذراري يهود اليمن لمعرفة مصير أطفالهم الذين "اختفوا" وجرى تبنّيهم من عائلات أوروبية ـ اشكنازية!
أهمّ ما يعنينا في الأمر، أن الكنيست أقرّت، بعد جلسة صاخبة، القراءتين الثانية والثالثة حول "تنحيَة" أي عضو كنيست عربي يشكّك، ليس في شرعية الدولة، لكن في علاقاتها مع النواب العرب، والأقلية الفلسطينية فيها، من حيث المساواة في المواطنية والعدالة في الحقوق.
هناك يهود عرب يقولون إن شاعرهم القومي هو المتنبي وليس فقط الشاعر العبري الأشهر بيالك، ويطالبون بتعزيز مكانة اللغة العربية.
مع ذلك، فقد طلبوا من فلسطينية من رعايا إسرائيل النزول من "القطار الخفيف" الذي يربط القدس الشرقية بالغربية بمستوطنات إسرائيل في القدس، لأنها كان تتحدث بالعربية في هاتفها النقّال.
الخبر الجيّد، هناك مؤشّر واعد هو ارتفاع نسبة الأكاديميين الفلسطينيين ـ الإسرائيليين بـ5% خلال عام واحد، دون حساب 19 ألفا منهم يتلقّون العلم في جامعات الأردن وأوروبا، وآلاف غيرهم في جامعات الضفة منهم 4 آلاف في الجامعة العربية ـ الأميركية في جنين، ومعظمهم في التكنولوجيا وعلم الحاسوب. لقد ولّى زمن تحسّر فيه أوري لوبراني لأن الفلسطينيين في إسرائيل لم يعودوا حطّابين وسقّائي مياه.
المسألة لا تتعلق بالمتنبي وبيالك، بل، أيضاً، بالشاعر محمود درويش، لأن حواراً أدبياً في إذاعة الجيش (غالي تصاهل) مع الكاتب الطيب محمد حمزة غنايم أثار ثائرة وزير دفاعهم ووزيرة ثقافتهم، وسواهما ممن طالبوا حتى بإغلاق إذاعة "يسارية" يديرها الجيش؟!
في غياب خطر وجودي على الدولة، يتحدث اليمينيون عن خطر ديمغرافي في فلسطين، ليس كمياً فقط، بل صار نوعياً يطوي التفاوت الأكاديمي، إضافة إلى خطر أيديولوجي من اليهود العرب، أو من تهويد الدولة على حساب ديمقراطيتها.
"الأزهر" والحلال والحرام
في غير دول، يحذّرون مستخدمي لعبة "بوكيمون ـ غو" من عدة مخاطر شخصية، لكن الأزهر اختار فتوى إخضاع هذه المخاطر إلى الحلال والحرام، وأن حكم مستخدمي هذه اللعبة ـ الصرعة هو حكم شارب الخمرة!
بينما رأس الكنيسة الكاثوليكية يُشكّك بالروايات الدينية عن الجنة والنار، فإن غالبية رجال الدين اليهودي والإسلامي تصدر فتاوى متزمّتة، ومغرقة في رجعيتها.
هناك "داعشية" يهودية وإسلامية، سوى أن العلمانيين الإسرائيليين أكثر جرأة من العلمانيين العرب في الكتابة عنها. أولئك يكتبون في الصحف وهؤلاء في المواقع الإلكترونية.