«من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب»

«من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب»

«من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب»

 تونس اليوم -

«من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب»

بقلم : حسن البطل

فإلى الاقتباس. لماذا وممّن؟ يقال: "الربيع العربي" صار خريفاً، والخريف شتاء إسلاموياً، أو اقول: هذه حراثة عميقة للعالم العربي. الكل أدلى بدلوه عن الأسباب الكامنة: "القادمة من البعيد والذاهبة إلى البعيد" كما قال سياسي فرنسي عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
للكاتب والناقد الأدبي فيصل دراج، أن يخوض في علاقة الأدبي بالثقافي؛ وعلاقة الثقافي بالسياسي، وعلاقة السياسي بالفكري، وهذا بالأيديولوجي. هاكم المقتبس، في ما يخصّ "تصنيع الوعي الديني المغلق"، علماً أن بحثه له عنوان رئيس: "الأنظمة العربية: من دولة الاستقلال إلى مجتمع الخراب".
اجتاحت معظم الأنظمة العربية منذ منتصف القرن العشرين انقلابات عسكرية لها "أيديولوجيا وطنية عفوية"، أرادت أن تحارب "تخلفاً" لا تعرف مصادره، وأن تخلق "مستقبلاً زاهراً" لا تعرف الطريق إليه. وبسبب البنية الاجتماعية للعسكريين، الذين جاؤوا من أوساط ريفية تفتقر إلى السياسة والثقافة، ارتاح هؤلاء إلى خيار أيديولوجي تلفيقي، يجمع بين التقليدي والحداثي، والقومي والديني، ويستبعد الرقابة والإرادة الشعبيتين. فبعيداً عن المشروع العلماني الصريح، الذي تقدّم به المصري طه حسين، في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، بعد معاهدة الجلاء بين مصر وبريطانيا ـ 1936 ـ آثر جمال عبد الناصر، بعد ثورة 1952، "حلاً معتدلاً"  يجمع بين الحداثة والأصالة، بلغة ذاك الزمان، ويصالح بين الاشتراكية والإسلام، في انتظار وريثه "السادات"، الذي أطلق شعار "دولة العلم والإيمان". استبعد الرئيسان الديمقراطية وقاما، بنسب مختلفة، "بتأمين الحياة الحزبية"، إذ لا حزب إلاّ حزب الرئيس، ولا صحافة إلاّ تلك التي باركتها السلطة.
"لم يكن الحال مختلفاً في الجزائر، "بلد المليون شهيد"،  حيث ساوى قادة الثورة، وهواري بومدين خاصة، بين الثوري والمسلم، فإن اراد الثوري أن يكون وطنياً علمانياً، كان مصيره الإقصاء والعقاب. أمّا حزب البعث، الذي انتشر في العراق وسورية وغيرهما، فقد ساوى بدوره بين القومية والإسلام، حيث المسلم عروبي والعروبي مسلم بالضرورة. لم يخرج الجنرال جعفر النميري، في السودان، عن هذا الخيار وانتهى، بعد تسلّمه السلطة، إلى "الخلافة"، على مقربة من الزعيم الليبي معمّر القذافي، الذي أطلق شعار: "من تحزّب خان"، مكتفياً "بكتابه الأخضر"، الذي سوّغ طغيانه الفريد.
ارتاحت "الدولة الوطنية"، منذ بداياتها، إلى "إسلام تلفيقي"، في مجتمعات تقليدية مُنعت فيها "التعددية"، وأُقصي فيها المواطن عن السياسة وشؤون الوطنية. غير أن السلطات الطويلة العمر، التي جاوز حكمها الأربعين عاماً، جاءت معها، لزوماً، بمبدأ "الإسلام والسياق"، إذ كل ظرف سلطوي يحتاج إلى إسلام خاص به. فبعد الاعتراف بالإسلام كقيمة ثقافية تفرضها "الأصالة"، جاء الإسلام كمسوّغ للاشتراكية أو "وحدة الأمة"، ثم تقدم خطوة كسلاح في مواجهة "التنوّع الثقافي"، مسوّغاً أنظمة غير شرعية.
بعد إخفاق متصاعد، في المجالات جميعاً، وفي سياق صعود التيارات الدينية، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لجأت الأنظمة العربية إلى الدين، "فتأسلمت"، كي تحجب لا شرعيتها من ناحية، ولتنافس الاتجاهات الدينية في "نجاحها الشعبي" من ناحية ثانية. فقرّبت منها رجال الدين، وبالغت في احتفالها بالمناسبات الدينية، وأعطت الخطاب الإسلامي مكاناً واسعاً في الإعلام والمدارس والمناسبات الرسمية، حتى بدا الدين عنصراً أساسياً في البنية الأيديولوجية الرسمية، متحوّلاً، بالضرورة، إلى أيديولوجيا دينية، تنتسب إلى مصالح السلطة، وإلى القوى الاجتماعية القريبة منها. أفسد هذا الانتساب المزدوج رجال الدين ووظائف المؤسسة الدينية، وأصبح "المشايخ" من نخبة المجتمع المسيطرة وغدت المؤسسة الدينية سلطوية بامتياز، تجلّى الأمر بوضوح كبير في تأويل الخطاب الديني، الذي نقل إلى بنيته مقولات الممارسات السلطوية للأنظمة الحاكمة".
***
في سياق المقالة ودون اقتباس:
ولدت "الدولة الوطنية" العربية متزامنة مع احتلال فلسطين، ورحيل الاستعمار، وحمل الخطاب العسكري الانقلابي شعار تحرير فلسطين، وفشل في عامي 1948 و1967، وحوّل "الدولة الوطنية" إلى "دولة بوليسية" مزجت "الفكر القومي" بعلمانية غائمة ونظام هجين لا هو بالعلماني ولا هو بالديني.
هل صدفة؟ دول "الربيع العربي" كانت عسكرتارية ـ استبدادية، ومن ثمّ؟ من خوذة الجنرال إلى عمامة الشيخ ورجل الدين، ومن "مجتمع الخوف" إلى "تربية الإنسان المسلم" وثنائيات: الكفر والإلحاد" الدنيا والآخرة، الحلال والحرام، وجعلت من "عذاب القبر" علماً مستقلاً بذاته!
قبل حكم العسكر، عرفت الحواضر العربية الأساسية (القاهرة، دمشق وبغداد) حياة لا مكان فيها للتطرف الديني.
"مهما يكن مآل "الحراك الثوري العربي" الذي سيستمر طويلاً، فقد كان الحدث الأكبر في تاريخ العرب الحديث".
***
المقتبس من مقالة فيصل دراج في فصلية "بدايات" العدد 13 شتاء 2016، وهي ثقافية ـ فكرية شاملة، تصدر في بيروت، وثمنها في "مكتبة الجعبة" 15 شيكلاً.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب» «من دولة استقلال إلى مجتمع الخراب»



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia