مدينة المفارقات الفلسطينية

مدينة المفارقات الفلسطينية

مدينة المفارقات الفلسطينية

 تونس اليوم -

مدينة المفارقات الفلسطينية

حسن البطل

سأصطاد مفارقة واحدة من كتاب «حلم رام الله» لمراسل «لوموند» هذه البلاد «التيرّا - سانطة» بمدنها العتيقة، المذكورة في أساطين الكتب المقدسة وكتب المؤرخين والرحالة، تعف عن ذكر مدينة رام الله. رام الله تتوسط شقيقتها البيرة (بئروت - الرومانية» واختها بيتونيا (الكنعانية) الأعرق والأقدم منها، لكن هذه المدينة المثلثة يشار اليها رام الله، وقد تغدو حاضرة (متروبوليت) باحتواء الأحياء والقرى والكويكبات من حولها. هي المدينة الأحدث في الضفة إلى حين إسكان مدينة روابي، والمدينتان وسائر مدن ضفة التلال ذات الدّلال مقامة على ظهر الجبل، باستثناء أريحا العريقة (ثاني أقدم مدن العالم المأهولة بعد حلب - السورية - حسب اليونسكو؛ ودمشق أقدم العواصم المأهولة) .. وأيضاً جنين القديمة، وهما تتمتعان بامتداد سطحي أفقي، خلاف مدن ظهر الجبل. على حداثتها، فإن لرام الله طابع المدن القديمة، ولو كانت بلا أسوار وأزقة وحوارٍ (ولكن بشوارع ضيقة). المدن القديمة في الشرق القديم كانت تبنى وتمتد على شكل دوائر من المركز - السوق، ويحيط بها سور يحميها - لا يحميها من غزاة مصممين يحاصرونها ويهدمونها وأسوارها. هل تغدو رام الله «نيويورك» الضفة، كما يتساءل مؤلف الكتاب بانجامين بارت، من حيث إنها تجسد «فلسطين الصغرى» بتنوعها ومفارقاتها، وكون سكانها وزوارها العابرين أو المقيمين يمثلون الشعب الفلسطيني في البلاد والشتات. .. لكن، في نيويورك يسألون، في الواقع وفي أفلام السينما، عن المكان، فيقال لهم: بعد شارعين أو ثلاثة، لأنها مدينة ذات شوارع متعامدة، واشارات مرور «الموجة الخضراء». رام الله حديثة العهد بإشارات المرور (أولى الإشارات بعد إنشاء السلطة الفلسطينية) .. وما يمنع شق شوارع متعامدة هو، اضافة الى عقلية الشرق في بناء المدن، كونها ذات طبوغرافية متفاوتة العلو، مع استثناءات نادرة أو قليلة، أبرزها «ميدان فلسطين - السبع نجوم قديماً» في شارع يافا. .. ومن ثم، فشوارع رام الله تنظم حركة السير (للسيارات والمشاة الفوضويين) بوساطة المستديرات، كما هي حال معظم مدن الضفة ذات الطبوغرافيا المتموجة، باستثناء الامتداد الأفقي لضواحي مدينتي أريحا وجنين. هذا يعني، مثلاً، غياب التنقل - إلا ببعض الشوارع - بوساطة الدراجات الهوائية (البسكليت) واستحالة إنشاء شبكة مترو (أندر- غراوند) وربما شبكة سكك حديدية سطحية. مجموع سكان كل مدينة من مدن الضفة (ذات مئات القرى) يقل عن عدد سكان حي من أحياء العواصم والمدن العربية الكبرى؛ ومجموع سكان الضفة يعادل سكان مدينة باريس. صحيح، أن مدينة روابي الحديثة قيد الإنشاء ستكون ذات تخطيط مدني عصري، ولكنها مدينة تلال أيضاً، ستخلو من الشوارع المتعامدة، وبالتأكيد من شبكة قطارات مترو أو سطحية. في أول حقبة السلطة نصح خبراء تنظيم المدن الفرنسيون بإلغاء ميدان المنارة الأشهر في المدينة، وجعله شوارع متعامدة، وشق ممرات للمشاة تحته، لكن الخبراء الفلسطينيين اعترضوا لأسباب وجيهة، وأبرزها فنياً أن شوارع المدينة غير متعامدة، وشوارعها المستقيمة - شبه المستقيمة نادرة، بما يفرض أن يكون وسط المدينة «شرقياً» من حيث كثافة الحركة البشرية والاقتصادية وحركة السير أيضاً. لدي ملاحظات جمالية على مستديرات مدينة رام الله، وهي مختلفة ومتنوعة الإنشاءات بعضها بنوافير مياه، والأخرى من دونها. بعضها يجمع الحجر والشجر والنباتات وبعضها مع نصب حجري في وسطها، والآخر من زجاج مثل مستديرة محمود درويش. أجمل مستديرات رام الله هو أحدثها قرب قصر رام الله الثقافي، وربما مستديرة كريم خلف القريبة منها، ذات الشعلة من الفولاذ في وسطها. لكن أقبحها هي مستديرة بيتونيا، رغم أنها الأكثر كلفة في الانشاء، وتتوسطها سلال معدنية مليئة بحبات ثمار كبيرة من «الفيبر - غلاس»، دون شجرة ودون نبات أخضر، مع أضواء وماء تنطفئ غالباً، ويغدو الماء بركة آسنة! باستثناء التقاط مفارقة أن لا ذكر في التاريخ لمدينة صارت «عاصمة» الادارة الفلسطينية فإن كتاب «حلم رام الله» يحوي مفارقات غزيرة للمدينة وسكانها، ويحتاج قراءة أخرى. * * * بنجامين بارت «حلم رام الله - رحلة في قلب السراب الفلسطيني» دار جرّوس برس - ترجمة سنا خوري .. مع مغالطات في لفظ الأسماء.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدينة المفارقات الفلسطينية مدينة المفارقات الفلسطينية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia