حسن البطل
من فضائل منظمة التحرير الفلسطينية ـ الفصائلية أنها ميّزت الصهيونية (الشرّيرة) عن اليهودية (السماوية) من حيث أنها "الطابق الأول" في الديانات السماوية، والمسيحية "الطابق الثاني" والإسلام "الطابق الثالث".. عفواً للتشبيه!
من فضائل الصهيونية (الشرّيرة) أنها أضافت تعريفها للشعب ـ الأمة إلى التعريفين الألماني (الإرادوي) والفرنسي (الثقافوي) وقالت: كل مجموعة بشرية تعتبر نفسها شعباً فهي شعب!
أولاً، المسألة اليهودية من السؤال اليهودي، وهو سؤال لا جواب عقلانياً عليه (خذوا علماً بآراء البابا فرنسيس عن "عقلنة" الجنة والنار، و"أسطورة" آدم وحواء، علماً أن مفكرين مسلمين أوائل قالوا إن الجنة "نعيم عقلي"، وليست نعيماً جسدياً)!
أذكر في العام 1964 عقد مؤتمر في إسرائيل أثيرت فيه شكوك حول "شرعية الدولة" وأن الصحافي ـ المفكر المصري الراحل أحمد بهاء الدين رأى، في حينه، أن هذا الشك دليل على ثقة ورسوخ الدولة (أنا أشك.. أنا موجود ـ ديكارت) وهذا سابق على موضوعات "ما بعد الصهيونية ـ بوست زيونيزم" أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن المنصرم.
فتوى البابا فرنسيس العقلانية، سيكون لها تداعياتها، باعتبار مكانة الكاثوليكية في المسيحية، وكون المسيحية "طابقا ثانيا" لليهودية (يمكن اعتبار السيد المسيح يهودياً، كما يمكن اعتباره فلسطينياً.. حسب الديانة، أو حسب مكان الميلاد).
كانت الصهيونية حركة علمانية (أو إصلاحية ـ قومية في الدين اليهودي) وعندما أعلن بن ـ غوريون إقامة الدولة فقد فضّل تسميتها "إسرائيل" وليس فلسطين أو يهودا، لأن فلسطين كانت ذات غالبية عربية، ولأن "يهودا" اسم ديني وهو علماني!
قرار التقسيم الدولي 1947 قال بـ "دولة يهودية" وأخرى "عربية" لأن الدولة اليهودية لم يكن لها اسم رسمي، ولأن "الدولة العربية" الفلسطينية ملحقة بالعروبة الشاسعة!
في إسرائيل ما يكفي من المفكرين الصهاينة العلمانيين الذين يرون علاقة غير منطقية بين "اليهودية" و"الديمقراطية".. إلاّ في الغيبيات الإغريقية عن علاقة العناصر الأربعة: التراب، الماء، الهواء والنار.
البابا فرنسيس لم يكمل إصلاحاته الثورية ـ العقلية، فالله عزّ وجل لم يخلق الأرض في ستة أيام (التوراة) ويستريح في اليوم السابع، كما تقول المسيحية ويقول الإسلام، ولو أن كل يوم في حساب الربّ الأزلي "ألف عام" مما تعدّون ولو أن مشيئته "كن فيكون".
عن "مدار ـ للدراسات الإسرائيلية" صدر الكتاب الثاني لشلومو ساند: "اختراع أرض إسرائيل" بعد كتابه الأول "اختراع الشعب اليهودي" وسيصدر الثالث: "كيف لم أعد يهودياً"؟
إنه مفكر "إسرائيلي" عقلاني لأن الصهيونية واليهودية تمكنت من إقامة "شعب إسرائيلي"علماً أن يائير لبيد زعيم ومؤسس "يش عتيد ـ يوجد مستقبل" صهيوني ينحاز إلى "الإسرائيلية" الوطنية لا الأيديولوجيا ولا الديانة!
في إسرائيل، اليوم غالبية يهودية، متدينة أو غير متدينة، تشكل 75% من سكانها ويشكل الفلسطينيون العرب "الإسرائيليون" 20%، لكن في "فلسطين ـ السلطوية" يشكل المسلمون المتدينون والثقافيون غالبية كاسحة، وليس في الوارد أن يسموا دولتهم "فلسطين ـ الإسلامية ـ الديمقراطية" ولو أن الإسلام مصدر أساسي للتشريع.. والفلسطينيون مؤمنون أكثر من اليهود المؤمنين!
كيف سنعطي جواباً على مطلب "دولة يهودية ـ ديمقراطية" صار مطلباً أميركيا، وشرطاً للاتفاق النهائي لا للمفاوضات و"اتفاقية الإطار"!
قد نقول، مثلاً، إننا نعترف بأن غالبية سكان إسرائيل هم يهود، وأن الديمقراطية هي حكم الغالبية وبما لا يمس بحقوق الأقلية، علماً أن القانون الأساس لدولة إسرائيل يحكي عن "القانون الأساس لدولة إسرائيل يحكي عن "حقوق متساوية" لرعايا الدولة، لكنه لم يتحقق واقعياً بسبب النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وبشكل خاص الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (يهود إسرائيل متساوون أكثر وفلسطينيوها متساوون أقل، وكان "الاشكناز" متساوون أكثر من "السفارديم"!).
إذا قالت إسرائيل وفلسطين إن كل اتفاق سيعرض للاستفتاء الشعبي، فإننا نقترح أن يتضمن الاستفتاء الإسرائيلي سؤالاً: هل إسرائيل علمانية ديمقراطية أم يهودية ديمقراطية؟
إذا كان 75% من سكان إسرائيل يدينون باليهودية فإن جواب السؤال يجب أن يكون موافقة أكثر من 75% على "يهودية الدولة".
سنرى في جهود كيري المشكورة غير ما يراه هو من أفكار "عادلة ومتوازنة" ولو صيغت بالغموض الخلاق والحلول الإبداعية (الابتداعية) التي هي أقرب إلى "تربيع الدائرة" أو في مكان الدائرة في المثلثات الثلاثة : متساوية الأضلاع، متساوية الساقين، مختلفة الأضلاع.
صحيح أن الدائرة تلامس الأضلاع، لكن فقط في المثلث متساوي الأضلاع تتوسط أضلاع المثلث، أي أقرب إلى الضلعين الأميركي والإسرائيلي، ميزان القوى قبل ميزان الحقوق.
المسألة اليهودية من السؤال اليهودي، ومنذ طرح المفكر اليهودي اسحق دويتشر "من هو اليهودي" إلى نتنياهو ـ بن تسيون اليهودي التوراتي، تريد إسرائيل من الفلسطينيين إعطاء جواب عليه: هو اليهودي مواطن دولة إسرائيل أو المقيم خارجها، وأما الفلسطيني فهو مواطن دولة فلسطين التي ليست وطناً لكل الفلسطينيين. حق العودة اليهودي؟ نعم. حق العودة الفلسطيني؟ لا.. لأنه يتعارض مع يهودية الدولة؟!