حسن البطل
أخذت علماً، من صفحة الزميل "النحوي" خالد سليم، أن يوم أمس يوم للغة العربية، وأعلم من زمان أن الإصلاح اللغوي يتقدم على الإصلاح الفكري، وهذا على السياسي، ثم الأيدلوجي!
الزميل، وفريق معه، من المدققين اللغويين (والإملائيين للأسف) لبعض ما ينشر بلغة الضاد، لجعلها "بلسان عربي قويم" .. قدر الإمكان.
وجهة نظري في الإصلاح اللغوي، أنه لا يجب ائتمان الشيوخ واللغويين، لأنهم الأوفياء لمعاجم اللغة (لسان العرب، تاج العروس، العين ..الخ) ربما لأن "لسان الضاد يجمعنا بعدنان وقحطان".. ولا يجمع مجامع اللغة العربية في كذا بلد عربي، ولا تجمعها "جامعة الدول العربية"!
الإصلاح يبدأ بقاموس بسيط، يجري تحديثه دورياً، لأن أمهات المعاجم العربية "متخشبة" ولا يجري عليها أي تحديث، عكس القواميس الاجنبية، بمعى، بدلاً من اعتماد جذر الكلمة الثلاثي، يتم اعتماد الحروف الأبجدية (أ.ب.ت.ث) وليس "أبجد هوّز" وهي أبجدية عبرية!
هناك ٥٠٠٠ جذر يتفرع عنها ٢٥ الف جذع، ويتفرع عنها حوالي ٥٠٠ ألف كلمة بالعربية. لذلك، فالبحث في قواميس اللغات الاجنبية سهل، خلاف البحث في "تاج العروس" مثلاً.
صحيح "إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون" لكن الذكر - القرآن الكريم ليس قيداً على تطوير لغة الضاد وادخال كلمات مثل "حوسبة" و"برمجة" وحتى "أتمتة" من الآلية، أو "ألينة" من الاغتراب.
يقول العراقي هادي العلوي (مقدمة في المعجم العربي) أن العاميات العربية هي من بقايا اللغات القديمة، مثل: الفرعونية، والسريانية، والأرامية .. وليست فصحى مشوهة.
هذا لا يعني أن لغة الضاد لم تدخل أو تقتبس أو تعرّب كلمات من غير اللغات السامية، مثل الفارسية في علم الادارة.مثلاً: (الديوان)، وكان اللغويون القدماء يستخدمون مفردة اغريقية ناشزة وطويلة عن "الشكل الأهليجي" قبل تعريبها الى "الأهليجي".
نأخذ "الحاسوب" مثلاً، ويمكن الاشتقاق الى "الحوسبة" من "الحساب" لكن لا يمكن الاشتقاق من "الكمبيوتر"، علماً أنهم في العبرية اعتمدوا "حاسوب". بعض الترجمات صحيحة مثل "سكك حديدية" لكن بعضها ناشز مثل "الإنسان الآلي" بدل "روبوت" وهي مفردة تشيكية ابتكرها كارل تشابل واعتمدتها اللغات كافة .. لا يوجد إنسان آلي!
لا أعرف إن لاحظتم أن مفردات الأسلحة والجيوش جرى تعريبها بسهولة تامة: دبابة، مدرعة، صاروخ، غواصة، مدفعية، وكذلك أسماء الرتب العسكرية العربية.. ربما لأننا من لغة "ضرب زيد عمراً". السيارة من شكل سير قافلة من الجمال!
هناك ادعاء أن العربية غير مطواعة لمفردات العلم الحديث والتكنولوجيا، لكن مجلة "آفاق علمية" نجحت في تعريبها قبل أن تتوقف، حتى نالت ثناء عشاق العربية في دول المغرب العربي، ونحن نقول ببساطة كهرباء من "كهارب" و"مجرة" و"قمر صناعي" و"سفينة فضاء" .. الخ.
تلعب قنوات التلفزيون للأطفال دوراً في تعليم أطفالنا عربية بسيطة وسهلة، وكذلك الأغنيات، ويكاد لا أحد عربياً يتقن اللهجة المصرية.
أظن أن السوريين ومجمعهم اللغوي العربي كانوا قياديين في تعريب مفردات الطب، منذ اعتمدوا العربية في العام ١٩٢٥ (قبل الجامعة العربية)، علماً أن خريجي كليات الطب السورية يبدعون في دراساتهم العليا بالجامعات الغربية أحسن من خريجي كليات طب عربية تعتمد الإنكليزية او الفرنسية.
من الواضح ان على علماء العربية قبول نحت العبارات باللسان العامي، مثل: "ليش" بدلاً من "لأي شيء" و"قديش" و"اشكد" او كلمات عامية جيدة لا مثيل لها بالفصحى مثل "فايز" باللهجة اللبنانية، وهي أسهل من "يتكئ على النافذة بذراعيه".
لماذا يسهل تعريب بعض المفردات؟ لأن أسهل التعريب ما يبدأ بالحروف الشفهية وطرف اللسان مثل "تليفون" "تلفزيون" بدلاً من "هاتف" وبعضها سهل جداً تعريبه بكلمات سلسة مثل: "مرسال" بدلاً من "مسيج" و"حال" بدلاً من "ستاتوس" وربما "في الصندوق" بدلاً من "إن بوكس" وكانوا يقولون "تلغراف" وصاروا يقولون "برقية".
لا أدري سبب الخلاف بين اللغويين العرب (مثلاً المصريين والاردنيين) فالأولون يقولون "تقييم" والاخرون يقولون "تقويم" .. حسناً، الأولى للفكر مثلاً، والثانية لتقويم الأسنان!
هناك مشكلة في "الأزمان" وهي بسيطة في العربية: حاضر، مستقبل، ماض، لكنها في لغات أُخرى تتفرع الى الماضي البسيط، والمركب، والمستقبل القريب والبعيد، والحاضر المستمر .. الخ.
على كل حال فالعالم يتحدث الإنكليزية المبسطة أو "باد إنكليش" علماً ان ثراء الإنكليزية الحديثة بعدما كانت فقيرة، يعود فضله إلى شعوب وأمم ليست الإنكليزية لغتها الأم.
قال أعرابي: "يحدثوننا بلساننا في غير لساننا" واللسان العربي يجب أن يستعير مطواعية الحرف العربي.