حسن البطل
لي من العمر سنوات تجعلني ومجايليّ يشكلون ٣،٤٪ من عديد شعبي (اللهم زد وبارك؟) ولما كنت في عمر شباب شعبي (معظمهم تحت سن ١٨ وغالبيتهم تحت سن ٣٠) كان سائدا في شعبي، قبل الثورة، شعار تكشف عن خرافة، ويقول: "الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين".
ها انا المخضرم صحافيا أضيق ذرعاً بشعار أراه خرافة ثانية (ويكتب عنه كثير من زملائي في صفحة الآراء) ويقول: إن الصلحة (الوحدة الفصائلية) طريق لا طريق سواه لانجاز دولة وطنية مستقلة.
هل الدولة قبل الصلحة أم بالعكس (هل الحصان امام العربة ام خلفها؟) او هل المفاوضات .. وهل الانتفاضة، وهل الكفاح المسلح ام النضال السياسي .. الخ!
لي رأي يخالف الاتجاه العام السائد بين كتّاب المقالات، ففي وقت الحرب تجوز الدعوة للوحدة (الفصائلية .. الوطنية) علماً اننا اختلفنا في ادارة معركة الكرامة (٢١ اذار ١٩٦٨)، واختلفنا حول ادارة معركة الحصار ببيروت ١٩٨٢ (القتال حتى النهاية، ام الانسحاب المشرف).
رأيي ان الدولة تسبق الصلحة، لانها، قبل اي شيء، الفيصل بين ادعاءين: "المفاوضات عبثية" او "الانتفاضة (المسلحة) عبثية".
عندما صارت شرنقة م.ت.ف فراشة السلطة الوطنية .. او بالعكس (نحن الى الثورة في زمن المنظمة، والمنظمة في زمن السلطة .. وربما السلطة في زمن الدولة) صار الموضوع، بكل وضوح، هو : سلطة ومعارضة اي بين خط وخط وسياسة وسياسة، لا بين شعارات سياسية، مثل "الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين" والآن "الوحدة الفصائلية طريق الدولة"!
ما الذي ذكرني بهذا ولو بصورة غير مباشرة؟ انه موقف السلطة وموقف حماس ازاء زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند (ومن قبل زيارات كيري، وزيارة اوباما ..الخ). السلطة رحبّت، وحماس لم ترحب بزيارة "تشجع التهويد والاستيطان" وأما زيارة امير قطر السابق لغزة فهي دعم للمقاومة.
الواقع ان أولاند دعا إلى وقف فوري وكامل للاستيطان، وربما كان أول رئيس دولة عظمى لا يدعو الإسرائيليين، رسميا ومباشرة، لا إلى "حل الدولتين" بل الى قدس ذات عاصمتين!
لا يهم فلسطين، مباشرة، موقف باريس من المشروع النووي الإيراني او سورية (أنا اؤيد القنبلة الإيرانية) قد يهم العرب ان اسرائيل انتصرت ١٩٦٧ بطائرات "الميراج" الفرنسية على طائرات "الميغ" الروسية، لكن لا يهم الفلسطينيين تزويد اميركا إسرائيل بأحدث طائرات سلسلة (F16, او F32) ولا حتى ٢٠٠ قنبلة نووية اسرائيلية.. بل قنابل الغاز!
ما يهمنا هو ان يضع رئيس فرنسا أول رئيس دولة كبرى باقة من الزهور على ضريح عرفات، وان يكون أول رئيس دولة عظمى يزور ضريح محمود درويش (له ساحة باسمه في باريس) ويتحدث الى المثقفين، وان يزور وفد وزاري فرنسي مدينة روابي قيد الإنشاء، ويشيد بها، وان يوقع الوزراء من الجانبين خمس اتفاقيات، وان يلتقي رئيس فرنسا بشخصيات دينية وسياسية مقدسية في كنيسة القديسة حنة بالقدس.
هذه كانت زيارة كاملة ومتشعبة، وهي تدعم نضال السلطة للصيرورة دولة ذات سيادة، وليس لنا اعتراض على سياسة فرنسا الودية إزاء إسرائيل، وإزاء الجالية اليهودية فيها (اكبر جالية واهمها في أوروبا الغربية).
اقيمت (قامت) إسرائيل ليست نتيجة "حرب الاستقلال" او (النكبة الفلسطينية) ١٩٤٨، بل، أيضاً، نتيجة جهد سياسي وفكري متشعب وكثيف سبق ذلك بسنوات طويلة.
لا بد من شيء من الحنين الى زمن المنظمة، ولو كانت مدموغة بالإرهاب، ولا بد من شيء من الأمل في زمن السلطة، لأنها تدير سياسة ناجحة في علاقاتها العربية والدولية، بينما يحذرون في إسرائيل (وأميركا تحذرها) من مغبة عزلة سياسية دولية ان واصلت الاستيطان وعرقلت قيام دولة فلسطينية.
لا داعي للسخرية من استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض (ومن تكليفه بتسيير التفاوض) فهم في إسرائيل مثلنا يسخرون من وفدهم المفاوض، ويطالبون بوقف التفاوض وإقالة المفاوضين.
لا المفاوضات عبثية ولا الانتفاضة عبثية، لكن العبث هو المفاضلة بين هذه وتلك.
لا وحدة فصائلية (وطنية) بل خلاف ديمقراطي (وغير ديمقراطي) بين السلطة والمعارضة .. وبين السلطة ذاتها والمعارضة ذاتها.
تصوروا لو ان "حماس" بقيت معارضة قوية للسلطة، وكيف كان هذا سيعزز موقف السلطة التفاوضي وغير التفاوضي.
نحن شعب يحب الأبطال والبطولات والأساطير والشعارات .. والخرافات! مع اننا خطأنا خرافة إسرائيلية تقول: فلسطين ماتت .. لا وجود لشعب فلسطيني. لا مكان لدولة فلسطينية. يرون إقامة دولتهم معجزة، ونرى بعث فلسطين من النسيان معجزة أيضا.