الجنرال ماتي كما عرفته

الجنرال "ماتي" كما عرفته ؟

الجنرال "ماتي" كما عرفته ؟

 تونس اليوم -

الجنرال ماتي كما عرفته

حسن البطل

قرية الطيرة جنوباً ومستوطنة "كريات موتسكين" شمالاً، وكلاهما صارتا ضاحيتين لمدينة حيفا. هو، الجنرال متتياهو بيلد (ماتي) ولد في المستوطنة، وأنا ولدت في القرية. على فنجان قهوة، في فندق فلوخسينا ـ نيقوسيا، التقينا. ذهبت إليه بعد قراءة سيرته في كتاب "ضباط الجيش الإسرائيلي" الصادر عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" مع زميلي طلعت موسى، وهو مع صديقته داليا. طيرة حيفا .. قال؟ نعم ولدت قبل قيام إسرائيل. هل تحمل أمك "مفتاح"؟ كذبت وقلت: نعم، لعله اكتشف الكذبة، لأنه حارب ضد أبي وإخوتي وأعمامي وشباب بلدتي، في السيطرة على آخر موقع عربي على الساحل الفلسطيني. المقاتل "ماتي" صار أهم جنرال في جيش إسرائيل، قبل حرب 1967، بعد رئيس الأركان، وأكبر المدافعين عن شن حرب حزيران 1967، لكنه بعدها، مباشرة، كان من دعاة إخلاء الأراضي المحتلة. قال: النتيجة لهذا الانتصار هي عقد سلام مع الشعب الفلسطيني، وقيام دولتين في أرض فلسطين ـ إسرائيل. لسانه العربي طلق، ولهجته فلسطينية، فقد ولد قبلي بـ 14 سنة، ومن ثم فإنني أكبر من ولده ميكو مؤلف كتاب "ابن الجنرال: رحلة إسرائيلي في فلسطين" الذي قدمته "الحياة" اللندنية وأعادت "الأيام" النشر في 29 أيلول. في فندق فلوخسينا القبرصي عقد 1992 مؤتمر دولي حول الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بينما كانت تدور مفاوضات الردهة في وزارة الخارجية الأميركية، التي انتهت إلى مفاوضات سرية في مفاجأة أوسلو، حضرت المؤتمر ياعيل دايان و"ماتي"، ومفكرون من الجانبين ومعنيون بحل الصراع بعد مؤتمر مدريد. كنت أعرف أن الجنرال أكثر من "مستعرب" فهو عاكف على ترجمة عبرية لكتاب زميلنا في المجلة، الأديب والشاعر الكردي ـ السوري سليم بركات "فقهاء الظلام" ولغته صعبة حتى على أهل العربية. سألت الجنرال المتقاعد، المريض بالسرطان، أسئلة ما قبل أوسلو، لأعاني جوابها بعدها، لكنه مات بعد أوسلو بشهور قليلة، ربما وعلى "وهم" بأن حلمه في السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي قد لاح. الأسئلة الثلاثة هي : لماذا أقمتم دولتكم على ساحل فلسطين، وحطّمتم بذلك العمود الفقري لشعب البلاد، بينما تقولون إن "يهودا والسامرة" هي موطنكم؟ سنظل نتطلع إلى الساحل الأزرق، وأنتم إلى "الجبال الزرقاء" كما تبدو تلال الضفة من الساحل. قال: جوابي الفكري أن الصهيونية حركة علمانية، وجوابي العسكري أن دولة على الساحل مفتوحة على أوروبا للمدد وربما للفرار. قلت: كيف الحل إذاً؟ قال: لا يمكن نقل دولة إسرائيل إلى الضفة ونقل دولة فلسطين إلى الساحل، لكن يمكن عقد سلام بين شعبي البلاد وإقامة دولتين لهما. قلت: حكمت يهود العالم شعوب ودول وإمبراطوريات، وأنتم لم تحكموا سوى فلسطين وشعبها الذي حكمته من قبلكم دول وإمبراطوريات عديدة. قال : نعم. قلت : كانت يد العرب والمسلمين هي العليا في الأندلس المشتركة، وكان هذا زمانكم وزماننا الذهبي.. والآن يدكم هي العليا في فلسطين دون أن يتحقق السلام. لماذا لا تكون يدنا هي العليا في فلسطين! كأن يكفيكم حكم ذاتي في فلسطين لا دولة في هذا المحيط العربي ـ ربما بذلك نستعيد الزمن الأندلسي من جديد! أنهى بيلد النقاش بقوله : لنشرب القهوة، قلت : هل نشربها في حيفا؟ قال: "مْطَوّلة" وفي اختتام المؤتمر كانت حفلة، وكان بعض قادة "راكاح" على طاولة أخرى ثالثة بين طاولتنا وطاولة الجنرال بيلد وجليسه مرعي عبد الرحمن "أبو فارس" مسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح ـ سابقاً. لقاء بالأحضان والقبلات الحارّة مع هاشم محاميد، جعلت بيلد يسألني: هل التقيتم من قبل؟ قلت: لا. قال: كل هذا الودّ مع قادة في عرب إسرائيل؟ نحن شعب واحد ـ قلت. أطرق الجنرال مفكّراً وقد هزّ رأسه. فيما بعد، علمت من "أبو فارس" رأي الجنرال بي: صديقك مليء بأفكار مهمة.. وفيما بعد، حصلت مفاجأة أوسلو، وتلقّى طلعت مخابرة من حيفا: نعم.. الآن سنشرب القهوة في حيفا.. تعالوا؟ للأسف، لم نشرب القهوة في حيفا، فقد كانت جولة نهار يوم بين باقة الغربية وحيفا وترشيحا.. وفي زيارة أخرى لحيفا، كان الجنرال قد قتله السرطان، بعد أن أنجز ترجمة "فقهاء الظلام". حيفا بيني وبين الجنرال، و"المجدل/ "أشكلون" بين زوجة ابن الجنرال، ميكو، وشيخ فلسطيني في غزة. مقاتل النخبة ميكو على خطى والده، وإلى أبعد من خطاه في كتابه، حتى خطب في جلسة مشتركة لمجلس العموم واللوردات البريطاني: "لا حق لإسرائيل يهودية في الوجود" قال، وفكرته: دولة علمانية واحدة وديمقراطية ذات حقوق كاملة لجميع رعاياها. يعيش ميكو في أميركا ويحمل جنسيتها، وعلاقته مع الفلسطينيين هناك أوثق من علاقته بيهود أميركا. كتابه "متعة ما بعدها متعة" لأنه مزيج من التاريخ والسيرة الذاتية، وقدمت للكتاب الأديبة الراقية أليس والكر.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنرال ماتي كما عرفته الجنرال ماتي كما عرفته



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia