درب المنحنيات السبعة

درب المنحنيات السبعة

درب المنحنيات السبعة

 تونس اليوم -

درب المنحنيات السبعة

حسن البطل

الطفل لا يبول ولا "يشخ"؛ والطفل لا يتفّ ولا يبصق. يا له من اكتشاف سخيف - جليل التقطته عيناي الصقريتان في منحنى من "درب المنحنيات السبعة". تفلّت طفل من يد أُمه، وعلى كتف ترابي لمنحنى من درب المنحنيات السبعة، ادار ظهره لمجنزرة الجنود، و"عرّد" في الوادي. طفل آخر، اصغر عمراً بقليل، لم يتفلت من يد امه. ادار وجهه صوب مجنزرة الجنود وتفّ صوبهم بصقته. لسبب ما، لا يتفّ الطفل الصغير لعابه، بل "يريّل" نصف بصاقه، في الاقل، على ثيابه. ولسبب ما، لا يبول الطفل الصغير، بل ينفث ما في مثانته بقوة لا تقل عن نفثة كير الحداد. هل يعرّد الطفل، او ان "حمامته" الوديعة تغدو، عندما يبول، أشبه بسبطانة هاون قصيرة، ذات رماية قوسية حادة؟ زرّرت أم الطفل سروال ولدها، وأمسك بيدها. مسحت أم الطفل بمنديلها بصاق ولدها عن قميصه.. وأمسكت بيده.. ولن يتذكر الجنود شقاوة الطفولة هذه، وقد لا يتذكر الطفلان فعلة هذا التحدي الغريزي، لكنني صرت في عمر جد الطفلين، وتذكرت، عند ذلك المنحنى، شيئاً من طفولتي. الطفل "يحجل" في اول خطواته، ثم "يكرج"، ثم "يبرطع".. وعلى درب المنحنيات السبعة ترى، ايضاً، رجالاً طاعنين في السن، يدبون خطاهم الثقيلة وئيداً وئيداً. لو بصق واحدهم بصقة احتقاره تجاه المجنزرة، فستكون مثل بصقة الطفل. الطفل "لا يتفّ" (تفوه)، بل "يريّل".. والشيخ لا يبصق، بل "يريّل"، لكن الطفل يده في يد أُمه، وذلك العجوز يتوكأ على عصاه! 2- يلعبون بـ"الخمّة" التهم المجال الحيوي للحاجز منحنى بعد آخر من درب المنحنيات السبعة. في البداية كان الحاجز "طياراً" يشيله الجنود في يوم ويحطونه في يوم آخر، ثم صار ثابتاً لمدة اسبوع او اكثر، ثم صار خط الحاجز اشبه برقعة "الداما" أو الشطرنج، ملأى بمكعبات الاسمنت، التي يزحزحها الجنود بجرافتهم، والمتظاهرون بأيديهم.. ثم بدأت مرحلة نهش الاسفلت، وحراثة الشارع، وتكويم انقاض من الصخر والتراب، ومطاردة السيارات الملتفة على الحواجز عبر اكتافه الترابية، او متسلقي التلال من المتسللين. .. كل أنواع التكتيكات العسكرية لحفظ هيبة الحاجز، تساقطت امام كل أنواع التكتيكات المدنية لتمريغ هيبة الحاجز. من الذي عليه ان يخضع ويعتاد؟ هذا هو السؤال، الذي انتهى الى صيغة جواب مؤداه ان يلعب الجانبان بـ"الخمة".. ما هي "الخمة"؟ هي التراب القذر، الذي يغدو طيناً زلقاً بعد زخات المطر، وغباراً تثيره حركة العربات العسكرية التي تحفظ هيبة الحاجز، او حركة العربات المدنية، التي تسخر من هذه الهيبة.. عندما يغيب الجنود وعرباتهم المدرعة يوماً، او ساعات، او حتى دقائق. الآن، يغيبون دقائق، والسيارات التي يتحين سائقوها هذه الغفلة تطلق ابواقها لتحذير المارة، ويطلق سائقوها مهاراتهم الشيطانية في اثارة "عجيج" التراب، او "طرطشة" الماء المعجون بالطين. مرحى للهاتف النقّال الذي يعطي "كلمة السر". لا يسلم السائقون المجازفون من أذى همجي يُلحقه جنود يبرزون فجأة، من كمين في منحنى و"يطبشون" زجاج سيارات المخالفين الجسورين او مصابيحها، واحياناً ينهالون بأعقاب البنادق مهشمين وجوه السائقين. .. وعلى درب "المنحنيات السبعة" من أعلى التلة الى أعلى التلة المقابلة، تدور لعبة اسمها "صراع الارادات".. وتدور بامتياز. تتأرجح السيارات، اصلاً، على درب المنحنيات السبعة بحكم هندسة الطريق، وتتأرجح اكثر بين الموانع والأكوام والاخاديد.. وتتأرجح سوق الحاجز المحمولة على العربات، أو تتحرك بسطاتها بين منحنى ومنحنى، وبين رأس التلة ورأس التلة المقابلة. احد الصحافيين الاسرائيليين سأل: هل نتحمل شهراً مما تحمله الفلسطينيون عاماً وعامين.. ونصف؟ يا له من سؤال. 3- قرنبيط ابو العدس هل هي تكشيرة الفقر، أم هي ضحكة موسم وآخر؟ لا يتذكر "ابو العدس"، ذلك الفلاح الساحلي المهاجر منذ زمن النكبة، ان الناس اقبلت على شراء خضراوات القرنبيط (الزهرة) في عام مضى، كما اقبلت هذا العام... او ان الأمر، ببساطة، ان درب المنحنيات السبعة صار درباً للمشاة الذين يتبضعون من "سوق الحاجز".. او ان الناس تبحث عن القرنبيط "البلدي" الضارب لون زهرته للاصفرار، وابو العدس النشيط لا يزرع غير البلدي. حقوله المتناثرة عند درب المنحنيات هي الاكثر اخضراراً، وهي الاكثر حراثة.. وهي، وحدها، التي تطرح ثلاثة مواسم في العام. نقلا  عن جريدة الايام  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درب المنحنيات السبعة درب المنحنيات السبعة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia