كما تعول النساء، كما يضحك الجنود

كما تعول النساء، كما يضحك الجنود

كما تعول النساء، كما يضحك الجنود

 تونس اليوم -

كما تعول النساء، كما يضحك الجنود

بقلم - حسن البطل

صدري هو الباب. وفريال لكمتني على صدري كما تلكم النساء الرجال .. هكذا نقرع أبواب الأصدقاء. 
لكمتني فريال زوجة صديقي طلال على صدري. كانت هذه اللّكمة الودّية أول العويل. 

أنا تصارخت مفتعلاً الألم؛ وصديقي الأثير تضاحك مفتعلاً المرح. سأقبله، بعد شهور قليلة قبلة الوداع. 

لن يفتح طلال عينيه الزرقاوين، ثم يفترّ ثغره عن ابتسامة تهكميّة، مثلما كنت أوقظه من قيلولة الصيف المتأخرة، لنذهب نحن الأربعة إلى سهرة الليل الطويل في الشام.
بعد شهور قليلة، ستدلف فريال باب مكتب «فلسطين الثورة» في بيروت. عيناها المذعورتان مثل سهام في عيني، تصرخ باسمي. أشيح بوجهي. سيبدأ العويل الأخير. طلال مات. فتح طلال رحمة باب الموت الأول لمحرري المجلة. سيأتي دور زوجة عدل وصفي (خالد العراقي) للعويل؛ ودور زوجة رشاد عبد الحافظ. سيصير الموت عادياً .. بالشظايا (طلال) بالرصاص .. (رشاد) .. وبالمسدسات مكتومة الصوت (خالد).

كلا، بدأ عويل الأرامل قبل ١٣ نيسان ١٩٧٥ بنبوءة سوداء قاسية. بين مكاتب مجلة «الحوادث» في «عين الرمانة» وبين «المطاحن» على شارع الشيّاح (الذي سيغدو شهيراً) .. وقبل أن ندخل بيت طلال، استوقفني وقال: حملتُ بندقية في أيار ١٩٧٣. يعرف جيراني الكتائبيون هنا أنني مؤيد للفلسطينيين .. إذا «ولعت من جديد» لن تخبو النيران .. ولا حتى خلال عشر سنوات.
صرنا زملاء في المكتب، وصار طلال رحمة المحرر الأدبي لمجلة «الحوادث» محرراً للشؤون اللبنانية في الصحيفة المركزية لـ (م.ت.ف). أيام الشام ولياليها من حزيران ١٩٦٧ إلى أيلول ١٩٧٠ لن تتكرر في بيروت. 

هناك كنا نحلل الحرب الفاشلة ونحلم بالحرب الناجحة، وهنا بدأت الحرب تأخذنا إلى الموت .. خبط عشواء.
عندما لكمتني فريال على صدري، بقيت صورة طلال في جيب قميصي. صورة «باسبورت» مثلاً. كأنها نبوءة سوداء قلت: «ستصير بوستراً: الشهيد البطل طلال رحمة». وهكذا صار!
قال لي أحمد عبد الرحمن: «جيب طلال». ترك طلال عموده اللاذع «نقطة على الحرف» في «الحوادث» واسعة الانتشار وجاء إلينا. قبّلته في مستشفى الطوارئ - جامعة بيروت العربية لم يفتح عينيه. لم يقم من سرير النوم ليرتدي ملابسه الفاخرة.. ولنبدأ ليلنا الدمشقي الصاخب.
قال لي: «إذا ولعت..» ثم أخذني إلى بيت في «حي المراية». 

هناك سألتقي بعائلة كتائبية معتّقة ومهذبة. الأب مهندس. الأم مريضة بسرطان الدم. «أرزة الكتائب» وصورة أمين الجميل في غرفة الفتى فادي، كتائبي مهذب ومتحمس. ستنتهي الزيارة اللطيفة والنقاش المهذب بقولي للفتى فادي: «إذا ولّعت .. لن يعود لبنان الأخضر أخضر» .. وبعد أن «ولعت» سألتقي، في فترات الهدوء، الأم المريضة وبناتها الشابات. أسأل عن «فادي» فلا أحظى بجواب شافٍ. قال طلال: «لا تسأل! .. إنه في الخندق الآخر».

قذيفة تنفجر على مقربة من طلال رحمة الذاهب إلى «تل الزعتر» لكتابة ريبورتاج عن حصار المخيم الأول. ستُخرج الشظية قلبه من صدره. سيحمله زميلنا هاني الزعبي الصاخب جداً لساعات قصيرة - الهادئ جداً لأيام وأسابيع. هكذا رأيت دم صديقي على ثياب صديقي. هكذا يبدأ عويل النساء.

قبل ١٣ نيسان ١٩٧٥ كنتُ أذهب إلى «الحوادث» في عين الرمانة دون خوف، وفي الهدنات القصيرة صرت أذهب متوجساً بعد «حادث البوسطة». قال لي: هل تصدق زوجتي تشم رائحة غادة في ثيابي وتقرأ اسمها على وجهي.. وعندما فتحت فريال الباب سألت الزوجة: هل رأيت غادة؟ .. استنجد صديقي بي .. فأنجدته. هو تحدث إليّ عنها في الطريق وزوجته قرأت صفحة وجهه. ستضحك غادة السمان، بعد موت طلال، ضحكة الأنثى الفخورة لهذه الواقعة. سأكرهها.

سيقرع فاروق باب بيتي في ليلة ماطرة. صار جندياً في جيش التحرير يرابط في موقع يسمع فيه دائماً: «هنا مات الصحافي».
سأسهر مع الجندي فاروق حتى الصباح. كان أحد أركان «شلّة الشام» بعد حزيران 1967. 

أقول له: ضربتني فريال هنا. يضع كفّ يده على قلبي بحنان.. يضحك كما يضحك الجنود في الحرب، وكما يضحك الأصدقاء القدامى .. في حرب لا تشبه الروايات في الكتب، لكن في حرب تصلح روايات في كتب.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كما تعول النساء، كما يضحك الجنود كما تعول النساء، كما يضحك الجنود



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia