على هامش احتجاب السفير اللبنانية

على هامش احتجاب "السفير" اللبنانية

على هامش احتجاب "السفير" اللبنانية

 تونس اليوم -

على هامش احتجاب السفير اللبنانية

بقلم : حسن البطل

كرة منفوخة تقمّط روبوتاً تتدحرج على سطح كويكب أو مذنب ضعيف الجاذبية، كأنها أنثى حبلى تضع مولودها.

ما الذي ذكّرني بهذا؟ كنتُ طفلاً أطارد كرات طائرة تحملها الأرياح، وفي جوفها بذور دقيقة كأنها "الأبواغ" أو "الأمشاج". لما كبرتُ عرفت أن هكذا يتكاثر نبات يسمى في بلادنا "الحرفيش".. أو تتولى الأمر هذه النحلة، وهذه الفراشات، وهذه الطيور.. إلخ.

تكاثر جنسي، بالأنطاف والبويضات للكائنات العليا، وآخر لا جنسيا، وثالث بالتطعيم (التركيب) من غصن شجرة مثمرة إلى جذع شجرة عاقر.

للصحافة اللبنانية أشكال التكاثر السابقة في الصحافة العربية، أو الناطقة بالعربية، علماً أن روّاد وآباء الصحافة اللبنانية، كانوا السبّاقين في التأثّرالصحافي بالصحافة الأوروبية، الناطقة، خصوصاً بالفرنسية والإنكليزية.

في القرن التاسع عشر هاجر صحافيون لبنانيون وسوريون إلى "العالم الجديد" وأسّسوا صحافة مهجرية وشعراً وأدباً مهجرياً.. لكن بعضهم هاجروا إلى أرض الكنانة (مصر)، وأسّسوا "الأهرام" و"الهلال" و"روز اليوسف". آنذاك، كانت هناك حروب ومنازعات نفوذ بين الإمبراطوريات الأوروبية وإمبراطورية آل عثمان، بذريعة حماية الطوائف.
مع ازدهار الصحافة اللبنانية، أو الصحافة العربية الصادرة في لبنان، بعد هزيمة الأمة في حزيران 1967، بدأت مع الحرب الأهلية اللبنانية 1975 حقبة هجرة الصحف والصحافيين اللبنانيين، أو الصحافيين العرب العاملين فيها إلى أوروبا، بتمويل من المال الخليجي، بعد أن كان التمويل من دول ونظم المركز العربي في سورية والعراق ومصر وليبيا.

مع حرب الخليج الأولى، والثورة الإسلامية الإيرانية، وصعود حركات الإسلام السياسي والجهادي، والحروب الأهلية مطلع العقد الثاني من الألفية، بدأت الصحافة اللبنانية مرحلة ضمور وتراجع، وجزء منها عميق بسبب أزمة عالمية في الصحافة المطبوعة لصالح وسائل الاتصال الجديدة: من الفضائيات إلى عصر "الإنترنت" و"الهاتف الذكي"، و"الفيسبوك".. إلخ!

في مرحلة ما، كانت الصحف اللبنانية على مائدة إفطار جمال عبد الناصر مع الجبنة البلدية والخبز (العيش)، وكأس الشاي. الآن، صار الرئيس الأميركي المنتخب عدواً للصحافة المكتوبة ومحطات التلفزيون، ويكتفي بالتغريد على "تويتر" غالباً.

احتجاب "السفير" اللبنانية هو نتيجة لكل ما سبق، وعنها كتب زميلي حسين حجازي في عدد السبت الماضي، لأن "السفير" كانت إطلالته الأولى الصحافية، في صحيفة هي القطب الثاني للصحافة اللبنانية، بعد "النهار" العريقة، محتلة مواقع صحف أقدم منها، مثل "الحياة" البيروتية و"المحرر" و"الأنوار" و"النداء" و"العمل" الكتائبية. "النهار" كانت وتبقى صحيفة الأرثوذكسية العروبية أو الميالة لسورية الكبرى.

أشار حجازي إليّ، كوني تلميذاً من خرّيجي مدرسة الصحافة اللبنانية، وبخاصة "النهار" أكثرها تميزاً في التحرير، وقد أضيف، أيضاً، تميزها في الإخراج الصحافي، قبل وباء زمن الإخراج الإلكتروني.

ربما كنت تلميذاً لكاتب زاوية "من حقيقة النهار" اليومية، رئيس تحريرها السابق والراحل ميشال أبو جودة، ولكن، أيضاً، كنت معجباً بصحيفة "العمل" الكتائبية، وبخاصة مهنية مقالات إلياس ربابي المعادي للفلسطينيين.

يقال إن ميشال أبو جودة كانت في مكتبه تجري طبخات تأليف الحكومات اللبنانية، وتأثير الطبّاخين الإقليميين والدوليين عليها.. لكن "النهار" الآن دخلت في مرحلة الغروب، وسبقتها إلى الغروب والاحتجاب "السفير" التي كانت علامة من علامات الحقبة الفلسطينية في الصحافة اللبنانية، علماً أن الصحافة اللبنانية كانت منبر حركة "فتح" في انطلاقتها.

مع ذلك، وبعد "حرب المخيمات" في لبنان 1983، وإلى مرحلة قصيرة، بدا أن "السفير" صارت أقرب إلى نهوض الطائفة الشيعية، ولكن لاحقاً كتب رئيس تحريرها، طلال سلمان، أفضل المقالات عن فضل الفلسطينيين على لبنان، في الزراعة والبنوك والفندقة والتعليم الأكاديمي، منذ النكبة الفلسطينية إلى الزمن المعاش.

سنلاحظ أن الأقلام الفلسطينية في الصحافة العربية، والعربية المهجرية في أوروبا، وبالذات الصحافة اللبنانية لا يقابلها أقلام عربية في الصحافة الفلسطينية، خاصة بعد أوسلو.

لكن المدرسة اللبنانية في الصحافة أثرت على الصحافيين الفلسطينيين الذين كانوا في لبنان، حتى الخروج الفلسطيني 1982، وإن كان معظمهم "إعلاميين" في صحف الفصائل الفلسطينية، لكنهم كانوا قرّاء مواظبين على الصحف اللبنانية، ولا تخلو مكاتب الفصائل من رزمة متنوعة منها حتى مرحلة أوسلو.

في الواقع لم تكن صحف الفصائل الفلسطينية في بيروت تُكتب بأقلام فلسطينية فقط، لكن كان فيها كتّاب صحافيون لبنانيون وعراقيون، لكن مساهماتهم قلّت كثيراً جداً بعد خروج بيروت، وبخاصة في مجلة "فلسطين الثورة".

سأوافق زميلي حسين حجازي على ملاحظة في مقالته، حيث استقطبت "الأيام" أقلام صحافيين فصائليين فلسطينيين من خرّيجي المدرسة الصحافية اللبنانية، الذين أضافوا إلى المستوى المهني والحداثي في الصحافة الفلسطينية.

من قبل أوسلو وصدور "الأيام" كانت الصحافة الفلسطينية متأثرة بالمدرسة الصحافية المصرية، وإلى حدّ معين الصحافة الأردنية المتأثرة بالصحافة المصرية.

لكن الأقلام الفلسطينية في "الأيام" المتأثرة بالمدرسة الصحافية اللبنانية بلغت من العمر سن الكهولة والنضج، وانتقلت من التحرير الصحافي الفصائلي إلى كتابة المقالات، وأثّرت إلى حدّ معين في الارتقاء بجودة التحرير.

حالياً، تعاني الصحف اليومية الفلسطينية الثلاث من أزمة الصحافة الورقية، لكن لكل واحدة منها طريقة خاصة بها في الاستمرار، وقد كتبتُ عن كل واحدة منها، لكن رئيس التحرير لا يعارض ما يخصّ "الأيام" لكن ليس "للأيام" أن تخوض في سبل الصحف الأخرى لمواجهة الأزمة.. احتراماً للزمالة، وفي هذا هو محق!

"درايفوس" و"أزاريا"
بين سانحة وأخرى، تشير الصحافة الإسرائيلية والإعلام فيها إلى قضية الضابط الفرنسي اليهودي درايفوس الذي اتهم ظلماً بالخيانة وقت حرب فرنسا وألمانيا وبرّئ منها، كأحد مظاهر "اللاسامية" الأوروبية التي سبقت النازية والفاشية.
حالياً، هناك قضية جندي يدعى اليئور أزاريا، الذي أجهز على جريح فلسطيني، وصارت قضيته موضع سجال في إسرائيل ومحاكمة مطوّلة.

المحكمة أدانته بالقتل غير العمد، ولم تعلن عقوبته جرّاء ذلك، لكن يحاول محامو الدفاع عنه استئناف حكم الإدانة سعياً إلى تبرئته والإفراج عنه، أو إنزال عقوبة تأديبية به.

تلاعبت الحكومة والمستوطنون في قضية بؤرة "عمونا"، وها هم يتلاعبون في قضية جريمة موصوفة.

كان درايفوس بريئاً من تهمة الخيانة، لكن أزاريا وعشرات ومئات من جنود الجيش والمستوطنين ليسوا أبرياء، لكنهم مجرمون تجري عملية "تبييض" لجرائمهم، كما التبييض للبؤر الاستيطانية.

المصدر: صحيفة الأيام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على هامش احتجاب السفير اللبنانية على هامش احتجاب السفير اللبنانية



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia