تنويعات

تنويعات

تنويعات

 تونس اليوم -

تنويعات

بقلم : حسن البطل

1 ـ رومر رأيتُ صورة عن مرور مئوية، لا بل مئويتين: بسكليت 1816 وإلى جانبه بسكليت 2016. هل تتعلق الفوارق بين الاثنتين بلعبة: جد الفوارق الخمسة بين رسمتين؟ قبل مئويتين اخترعوا الدراجة الهوائية، التي امتطاها أبو جدّك أو جدّ جدّك؛ وامتطاها والدك، وسيمتطيها حفيدك. دراجة العام 1816 كانت مزيجاً مضحكاً من الخشب والمعدن. متى اخترعوا الكاوتشوك للدواليب؟ لأن دواليب تلك البسكليت من خشب، وإطاراتها من معدن، وهي من العلو، كدابة الكديش أو الحصان، بحيث إذا سقط راكبها عنها «تعوّر» أو شجّ رأسه، أو انكسرت ساقه أو كوع يده. في صباي المبكر، قبل فتوّتي وشبوبيّتي، كنت أحلم بدراجة، وليس أي دراجة، بل من ماركة رومر Romer الألمانية على الأغلب. كانت هذه الماركة مثل سيارات «فيراري» الإيطالية، ملكة سباقات السيارات الآن. كان ابن عمّي، الذي نلقّبه «السامبو» أي ذا سحنة الوجه الهندية السمراء القاتمة، يتغزّل بها، كأنها زوجته الثانية، فإذا بلغت سن «الكلال»، أي نهاية العمر الافتراضي، ذهب أيام الجمع في قرية دوما، قرب دمشق، ليصطاد بسكليت Romer مستعملة لكن أصلية، لأن تلك السوق كانت مليئة بدراجات من ماركات أخرى، يجري الغش فيها. أصعد، يومياً، من بيتي في رام الله ـ التحتا إلى مقهاي الصباح، وأمّر بذلك الفرن الشهير، حيث يحمّل ويوزّع أولاد الفرن أكياساً من الخبز، وعند «الطلعات» يجرّونها جرّاً أي يدفعونها دفعاً. صارت البسكليتات الحديثة ذات تكنولوجيا حديثة، و»مهجّنة» بتزويدها ببطاريات قابلة للشحن لصعود الطلعات الحادة، التي لا تقوى على تطويعها حتى عضلات سيقان أكثر الفتيان فتوّة وقوّة.

 2 ـ سنجر كنت في عالم الغيب عندما أخذ أبي أمي إلى فراشه، ولعلّه ألبس اصبع يدها خاتم زواج من الفضّة لا من الذهب الغالي! لكن، كنت في عالم الحضور عندما اعترى وجه أمي زهو الفرح، لما اشترى والدي ماكينة خياطة يدوية من نوع Singer الألماني بالتأكيد، لأن اسم er ماركة أسماء ألمانية (الفرهرر مثلاً). بيسراها تدير أمي الآلة، وبيمناها تخيط من القماش لباساً، وأتذكرها ولداً تضلم الخيط بالإبرة بسهولة، ثم أتذكرها شاباً، تسألني (وقد كلّ بصرها، أو امتدت رؤياها للأشياء البعيدة، وضمرت للأشياء القريبة) أن أضلم لها الخيط بالإبرة. كانت هذه الآلة تحفة ميكانيكية ـ يدوية (أو نصف آلية) ولا أذكر مرّة أن والدي حملها إلى دكانة تصليحات، كما كان يحمل، أحياناً، بابور الكاز لنفض رأسه أو تركيب رأس جديدة (نسيت اسم بابور الكاز الأحسن في حينه ولعلّه بريموس). .. وكانت هذه الآلة المعدنية السوداء تحفة في طلائها بعروقٍ من ألوان ذهبية ترسم أشكالاً بيانية، وصورة امرأة حسناء. مع الزمان الغادر، صارت حلّتها الزاهية تتقشّر من هنا أو هناك، لكن جسمها المعدني، بلون الرماد، كان يرسم مع طلائها الزاهي الباقي أشكالاً فنية سريالية. 3 ـ «غرونديك» في طفولتي المبكرة، تحدث الأولاد عن شيء عجيب: سيصبح «الراديو» في حجم علبة الدخان، ولما كنت في عمر الطفولة كنا نعتقد أن هذه «الراديو» محشوة بإنسان قزم نأمره أن يحكي وأن يخرس! اشترى أخي راديو ألمانياً من نوع «غرونديك» ذي العين الخضراء التي «تدوزن» رخاوة الصوت، وكنت أتسلل لغرفة أخي لسماع تجويد المقرئ أبو العينين شعيشع للقرآن الكريم، أو منافسه (لا أذكر الآن) ولما كبرت قليلاً، صرت أسمع أغاني العشق، وأخبار الحروب.

 وين راح هذا المستطيل الحاكي؟ وين راح هذا الترانزستور، حيث كان يلزم الأول شريطاً من نحاس بين خشبتين على سقف البيت، لالتقاط الصوت، ولا يلزم الثاني أي شيء سوى البطاريات الجافة. حاولت صناعة راديو من قطع مستعملة. هذا عصر تكنولوجيا سمّاعات «التوكي» ثم عصر الهاتف المحمول: صوتاً وصورة ملوّنة بالألوان الطبيعية. راح عصر «الغرامفون» وبوقه، وعصر الأسطوانات يكاد يغرب.

 *** يموت «عميد/ عميدة البشرية» ليخلفه عميد آخر، والسلف والخلف قد يطعنان في السن قرناً من السنوات، وفوقه عقد أو نصف العقد.. لكن ليس لمخلوق من صنف الإنسان أن يحلم بالعيش مئويتين، أي قرنين.. وخلالهما صارت البسكليت مخلوقة محسنة عن بسكليت 1816، وصارت وسائل الاتصال ما صارت عليه، وجودة التلفزيونات الملوّنة صارت ما صارت. الصورة صارت تسبق الخبر أحياناً. كانت، قبل مئوية ونصف المئوية، جمعية بريطانية للعلوم الملكية، وفي فيلم قديم قال عالمها الأشهر:

 بعد اختراع المحرك الانفجاري، والكاوتشوك، والراديو، والسكك الحديدية، وصل العلم إلى قمة لن تعلوها أخرى. يا له من أحمق. .. وهذا قبل تفليق الذرة، والطائرة الأسرع من الصوت، وعلوم الخلية.. وسبوتنيك وهبوط نيل ارمسترونغ على أرض القمر. .. والآن، هذا «الذكاء الصناعي» الذي يتطور أسرع من استيعاب عقل الإنسان البشري.. وهي حكمة أن يموت الإنسان قبل أن «يزهمر» ويقرّن ويخرف أو بعد أن يقرن بقليل، لأنه غير قادر على مجاراة التكنولوجيا، فيصير الجدّ يتعلم أشياء من الأب، والوالد يتعلم أشياء من النجل.. إلخ! لكن هذه البسكليت ستبقى قروناً، حتى بعد اختراع سيارات تطير في الهواء، وتحطّ على أرض الشارع!

المصدر : صحيفة الأيام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تنويعات تنويعات



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia