وراء هذه الجدران  هناك بحر

وراء هذه الجدران .. هناك بحر!

وراء هذه الجدران .. هناك بحر!

 تونس اليوم -

وراء هذه الجدران  هناك بحر

بقلم : حسن البطل

ألف ونيفّ وراء القضبان يضربون عن الطعام .. حتى الآن، من مجموع ٦٥٠٠. واحد منهم هو عثمان يوسف. لي أن استعير من صفحة الشاعر خالد جمعة، المحرر الثقافي لوكالة «وفا» إضاءة لنضاله خارج السجن، ونضاله داخل السجن.

عثمان ابراهيم اسعد يونس، ولد في قرية سنيريا - قلقيلية، ومحكوم باربعة مؤبدات، وقضى في السجن، حتى الآن، اربعة عشر عاماً، وقد ولد في ١٤ آذار ١٩٧٤، واعتقل في ٢٦ آب ٢٠٠٣. ما هو مذهل في سيرته؟ 

دخل الإضراب وهو يعاني من ورم في حنجرته، وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال قبل اعتقاله وأصيب على اثرها بـ (٢٤) رصاصة، [يا إله الأرقام]، أدت هذه الرصاصات الى استئصال أجزاء من البنكرياس والطحال، وأربعة أمتار من الامعاء، وربع المعدة، كما اصيب في احدى عينيه، واحدى كفيه .. يمارس حياته بيد واحدة.

مع كل ذلك، قرر عثمان يونس، وهو الذي يعيش اصلا على الحليب، ان يدخل الاضراب مع رفاقه الاسرى .. اي كلام يمكن ان يقال عن هذا البطل الذي لا يشبه الابطال الآخرين..؟

سألت نفسي الف مرة عن الروح التي يمتلكها هذا الاسير الذي كان رفيق درب ثابت ثابت ورائد الكرمي، فلم اجد جوابا، لأن هذه الروح فوق قدرتي على التصور، فلو انني قرأتها في رواية لدستويفسكي لقلت: ما اكثر مبالغات الكُتاب .. يا الله .. اي روح يملكها الأسير المضرب عثمان يونس؟
* * *
في البيت قرأتُ، ما كتب خالد على صفحته. في المقهى التقيته .. والى سرية رام الله اصطحبني، حيث مؤتمر صحافي لانطلاقة مهرجان رام الله للرقص المعاصر. شعار الدورة الجديدة: «وراء هذه الجدران اعرف ان هناك بحرا» ملصق الدورة: صورة امرأة من بيت لحم، خلال الانتفاضة الاولى، حافية ترمي حجراً، وبيدها حذاؤها الاصفر .. الذي يصير، فتيا، حمامة بيضاء على خلفية صفراء!

«أي روح يملكها عثمان يونس؟» هذا عنوان المحرر الثقافي. لعل الجواب قاله درويش: «على الروح ان تجد الروح في روحها..».

بين المقهى والسرّية، عرفت ان خالد جمعة، لما كان فتى في الانتفاضة الاولى، اعتقل مرات، كانت اطولها ثلاثة شهور. خجلت منه قليلاً، وخجلت كثيرا من نضال الاسرى المطلبي والسياسي وبالذات من عثمان يوسف، لم أجرب السجن يوما على جلدي وروحي، وان نجوت من الموت البيروتي مراراً.

هل قرأتم قائمة مطالب إضراب بدأ في «يوم الأسير»؟ وضعوا المطلبي العملي قبل مطلب إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، وإنهاء العزل الانفرادي، وإعادة حق التعليم في الجامعة العبرية المفتوحة، وامتحانات شهادة التوجيهي الفلسطينية بعد مطالب الزيارات والطبابة واشراف الاسرى على ادارة المطبخ!

قلت لخالد في الطريق ان يكتب كأديب عن «أدب الاسرى» قال: الأدب ادب اولاً، خذ مثلاً رواية «أرخبيل الفولاغ» لاسكندر سولجنتين، المنشق وشهادته عن سجون الاعتقال السوفياتية. تحدثنا عن تجربة الاعتقال كما في كتب عائشة عودة .. وكثير آخرين.

ما من صدفة ان يكون شعار مهرجان الرقص «وراء هذه الجدران اعرف ان هناك بحراً» وان يكون ملصق المهرجان الحالي صورة امرأة تحمل بيد حذاءها الأصفر، وحافية ترمي حجراً .. رماه الطفل الشهيد فارس عودة على دبابة، ورماه الطفل رمزي ابو رضوان على جندي .. وصارت مؤسسة الكمنجاتي على كبر.

افتتاح مهرجان الرقص سيكون، لأول مرة، في المسرح البلدي، بعرض من راقصي السّرية وفرقة اثاناسيا اكانيللو بو للو اليونانية. تعاون اغريقي - فلسطيني. لماذا لا؟ موسيقار اغريقي، ميكيس ثيودوراكيس وضع نوطته للنشيد الفلسطيني «فدائي»، وآخر فيلم شهدته قبل الخروج من بيروت كان «زوربا الاغريقي» ورقصة «السيرتاكي» الاغريقية، ثم سفناً اغريقية حملت الى المنفى الفدائيين وقول عرفات : «ذاهب الى فلسطين»!

«معركة الحرية والكرامة هي معركة الفلسطينيين اينما وجدوا» هذه فقرة من بيان جماهيري حماسي لحركة «فتح» لكن الاكثر بلاغة كانت في رسالة قائد الاسرى، مروان البرغوثي، المهربة الى «نيويورك تايمز» ورداً عليها عاقبته اسرائيل، وقادة الاسرى، بالسجن الانفرادي.

في دورة من دورات مهرجان الرقص صادفت حرباً ثانية اسرائيلية على غزة، هناك من سأل بلسان شيوخ «حماس»: كيف ترقصون في رام الله؟

وصية الشهداء كما قالها درويش: «لا تذكروا من بعدنا إلاّ الحياة». رسالة الاسرى هي حريتنا من حرية شعبنا وارضنا، وتقرير مصيرنا في «وطننا الذي لا وطن لنا سواه».

هذا اهم اضراب للأسرى منذ هذه الاوسلو، وهذا الاضراب اهم موحد للحركة الاسيرة، منذ وثيقة الاسرى الجماعية بعد الانقلاب الغزي مباشرة.

في اضرابات فردية، ضربت ارقاما قياسية، خضعت اسرائيل لمطالب اصحابها بالافراج عنهم، والغاء اعتقالهم الاداري. المطلوب الآن: انهاء سياسة الاعتقال الاداري، وليس الافراج عن حالات فردية.
* * *
ان يعقد مهرجان الرقص المعاصر دوراته المنتظمة في نيسان، هو دليل على قوة الحياة فينا؛ وأن تبدأ الدورة الجديدة بعد اسبوع ولمدة أسبوع، بملصق عن الحرية، ورقصة عن الحرية، وكلمة مدير المهرجان ووزير الثقافة عن الأسرى، دليل على قوة نداء وحق الحرية في نفوسنا وإرادتنا.

لا نحكي عن ميزان القوى المختل مع عدونا، لكن عن ميزان صراع الارادات، الثقافة الوطنية جزء من هذا الصراع، والرقص جزء من الثقافة الوطنية - الإنسانية.

بدليل حضور بدء انطلاقة المهرجان، حيث تحدث نائب ممثل الاتحاد الاوروبي، ورئيس التعاون والتطوير في ممثلية النرويج.

* * *
في الاشتباك الثقافي الاسرائيلي - الفلسطيني لاحظت شيئاً لافتاً في مقالات الصحف الإسرائيلية على اختلافها: من «هآرتس» الى «إسرائيل اليوم» ما هو؟

كثيراً ما ترد أمثال شعبية فلسطينية وعربية في هذه المقالات. لماذا؟ لأن الموروث الثقافي الشعبي الفلسطيني اكثر غنى بما لا يقاس بما في موروثهم.

ايضا، حتى في الشعر الفلسطيني والعربي، قديمه وجديده يأخذون منه.

ودّي ان اجمع بعض الاقتباسات العبرية من هذا وذاك، لكن الطريف في الأمر ان بعض الامثال تأتي ترجمة حرفية من العربية الى العبرية، وبعضها الآخر، ربما لخلل في ثقافة المترجمين تأتي ركيكة.

مثلا: ورد في مقالة اخيرة نشرت في «هآرتس» عبارة من شعر المتنبي جاءت على هذا النحو: «ليس لك جياد تمنحها ولا مال ... فالأفراح تُفرح، اذا كان الوضع قائماً».

في الأصل: «لا خيل عندك تهديها ولا مال / فليسعد النطق ان لم تسعد الحال».

سطو ثقافي بعد السطو على الزيتون، الفلافل والحمص، والثوب الفلسطيني .. وبالطبع على الحرية والارض الفلسطينية .. الخ!

المصدر : صحيفة الأيام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وراء هذه الجدران  هناك بحر وراء هذه الجدران  هناك بحر



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia