هيا نضرب صفحاً عن غيبيات ماورائية، تربط مصادفة 11 أيلول بين ضربة البرجين في نيويورك، أو "بيرل هاربر" الجوية، وإعصار آخر ضرب ولاية فلوريدا، بقوة الدرجة الرابعة من خمسة في قياس شدة الأعاصير.
الرئيس ترامب، الهارب ـ العاتي، "لحس" أمام جمع علني من الجنرالات الأميركيين موقفاً أوبامياً سابقاً له، بالانسحاب العسكري التدريجي من أفغانستان، إلى تعزيره، لحسم حرب فشلت أميركا، طيلة 16 سنة، في حسمها، كما فشل، من قبلها، الاتحاد السوفياتي.
يُقال، هل يُقال فقط؟ إن الرئيس الأفغاني، أبلغ نظيره الأميركي أن أرض أفغانستان فيها مكامن طبيعية هائلة، تسيل لها لعاب الشركات الأميركية، فما بالكم برئيس الصفقات العقارية هذا؟
أميركا أهدت الحضارة اختراعات، التلفزيون، السينما، السيارات.. والقنبلة النووية، وستضيف: هذه العملة الورقية الخضراء ذات عبارة in God we trust ، التي غدت الوحيدة عالمياً لتقييم أسعار تصدير وشراء هذا "الذهب الأسود" الذي هو النفط، وصار الدولار الورقي الأخضر بمثابة ذهب جديد.
متى لم يعد في إمكان الدول شراء أوقية الذهب بـ 35 دولاراً، أي استبدال مليارات الدولارات الورقية لديها بذهب من احتياطي أميركا المخزون في قاعدة فورت نوكس، الأكثر تحصيناً، ربما، أمنياً مع البيت الأبيض.
بدأ الأمر مع الرئيس نيكسون، الذي ردّ طلب الرئيس الفرنسي ديغول شراء ذهب أميركي بما لدى فرنسا من مليارات الدولارات، فقرر فرط العلاقة بين سعر أونصة الذهب وقيمة الدولار الموازية، أي إزاحة الدرع الذهبي عن العملة الورقية الخضراء!
صحيح أنه في "فورت نوكس" ما يعادل 2,5% من الذهب الذي استخرجته البشرية، لكن أميركا أكثر 10 دول في تكنيز الذهب عالمياً.
السويسريون يسخرون من عبارة "بالله نثق" بإضافة حرف اللام in Gold، لكن أميركا سخّرت الدولار الورقي، عن طريق ماكينات خرافية لطبعه في حروبها، وإقامة 600 قاعدة عسكرية تلف العالم، إلى 300 قاعدة سرية أخرى، وصارت تنفق على الحرب والاستعداد للحروب أكثر من 25 دولة تالية، عدا دولتين هما من حلفاء أميركا، وكلّفتها حرب أفغانستان والعراق، وحدهما، ما ينوف على الـ6 تريليون دولار، دون أن "تفلّس" بوصفها صاحبة أقوى اقتصاد وجيش في العالم.
لكن، هناك "ثمن" مؤجل، وهو ارتفاع خرافي في مديونية أميركا الداخلية والخارجية، لأن الصين واليابان وحدهما، مثلاً، لديهما احتياطات هائلة من تريليونات الدولارات، عدا دولارات دول الخليج النفطية مثلاً.
معظم دول العالم تربط عملاتها الورقية، غير الخضراء بالذات، بالدولار الورقي الأخضر، لكن عندما فكّر العراق، مثلاً، في ربط عملته بسلة عملات وبالذات بـ"اليورو" كان ذلك سبباً خفيّاً من أسباب الحرب عليه لتدميره، غير الأسباب الأمنية والسياسية المعلنة، كما حال إيران مثلاً، غير أسباب وقوفها على "الحافة النوية" والأمر ذاته بالنسبة لكوريا الشمالية، حيث تقدر ثروات البلاد الطبيعية بين 6 ـ 10 تريليونات دولار.
الآن، تفهمون سبباً دفيناً من أسباب الحرب في سورية وعليها، حيث فيها من احتياطي مكامن الغاز ما قد يجعلها تحتل المرتبة 5 ـ 6 عالمياً.
رفض الأسد مدّ أنابيب غاز قطرية، عَبر سورية وتركيا للمضاربة على الغاز الروسي الذي يغذّي أوروبا، والتدخل الروسي لصالح النظام هو بمثابة "رد الجميل".
من حروب الاقتصاد، إلى حروب النفط، ومنها إلى حروب الغاز، وأساساً حروب الثروات الطبيعية، حيث يقال إن ما يجري في بورما هو احتراب ديني، لكن مناطق "الروهينغا" الإسلامية تحوي مكامن طبيعية كبيرة.
دول النفط من أعضاء "أوبك" صارت تخضع لتحكم أميركا بسعر برميل النفط، ولا بأس لأميركا أن تلعب بينها وفيها في مضاربات أسعار، وكذا في نزاعات دول النفط الخليجية الآن، لامتصاص دولاراتها النفطية لصالح صفقات سلاح مع أميركا، علماً أن فنزويلا، مثلاً لم تعد قادرة، مع انخفاض سعر النفط، على استغلال ثرواتها الطبيعية.
إضافة إلى دور الغاز ومكامنه وأنابيب نقله في المأساة السورية، فإن هناك أسباباً إسرائيلية للتمسك بضم هضبة الجولان، غير ادعاءات المياه والأمن، وهي أنه يحوي مكامن نفطية تريد إسرائيل استغلالها، كما استغلت واستنزفت آبار النفط المصرية في سيناء وقت احتلالها.
هناك أسباب للأزمات في بحر الصين الشمالي، ومنها أن الصين الناهضة لتحدي "العصر الأميركي" تقود تنظيما اقتصاديا لدول يدعى "بريكس" الخماسي (الصين، روسيا، الهند، جنوب افريقيا والبرازيل) القابل للتوسيع، ومن ثمّ قد يغدو اليوآن الصيني الرخيص، عملة، قبالة الدولار، مرشحاً لتحدي إمبريالية الدولار الورقي الأخضر، إذا انفجرت "فقاعته" الورقية إزاء الذهب بفعل مديونية أميركا.
لعلّ نابليون هو من قال: الجيوش تزحف على بطونها، أما من قال: "إنه الاقتصاد يا غبي" فهو الرئيس كلينتون، ويمكنكم التغاضي قليلاً عن الارهاب العالمي، والصراع الإسلامي المذهبي، و"تدخلات" أميركية في دول الخليج العربية، إلى أسباب اقتصادية، أيضاً لاستنزاف "البترو دولار" العربي لصالح الاقتصاد الأميركي، وهيمنة هذه العملة الورقية الخضراء.
"الثورة الخضراء" البيئية، و"غرين بيس" للسلام الأخضر، لا علاقة لهما بالدولار الأخضر، ولعل هذا الدولار له علاقة بـ"خضراء الدمن" التي تحدّث عنها النبي محمد، أي "الجميلة في موطن السوء"!
هل نضيف أن العقاقيري ومدير الصفقات، دونالد ترامب، هو ابن عضو في "كلو ـ كلاكس ـ كلان" العنصرية، وهيمنة العرق الأبيض موضع تحدٍّ كما هيمنة الدولار الأخضر، أو الإمبريالية الورقية الخضراء.
المصدر : صحيفة الأيام