سكك، أسلاك

سكك، أسلاك؟

سكك، أسلاك؟

 تونس اليوم -

سكك، أسلاك

بقلم - حسن البطل

عشرون يوماً من "البروفات" سبقت صدور العدد الأول من "الأيام" خلالها كتبتُ عشرين عموداً ذهبت إلى النسيان.. باستثناء واحد أعدتُ نشره، وكان عنوانه "الخط الحديدي الحجازي" في أحد أعداد الشهر الأول.

ها أنا أعود إلى طرق الموضوع، بعد 21 سنة و7955 عدداً. لماذا؟ قرأتُ أن إسرائيل تخطط لربط سككها الحديدية مع سكك جوارها العربي مستقبلاً، أي إحياء المشروع العربي القديم لإعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي".

كان هذا الخط الذي أنشأه العثمانيون، أساساً، لنقل حجاج بيت الله الحرام قد نسفه "لورانس الجزيرة العربية" مطلع ثورة الشريف حسين، المسماة الثورة العربية الكبرى؟
منذ تقسيم بلاد الشام أربع دول مستقلة، وبالذات منذ استقلالها، وحتى بعد نكبة فلسطين، التي شكلت الإسفين الإسرائيلي، طرحت الدولة السورية مشاريع لإعادة تسيير الخط، لم تسفر، عملياً، سوى عن بناء بعض الجسور والعبّارات على أجزاء متفرقة منه.

أذكر أنه بعد "أوسلو" أقام الفلسطينيون خطاً هوائياً معلقاً (تلفريك) بين أريحا وجبل قرنطل، فقال الإسرائيليون: كيف لم نفكّر بهذا قبل أوسلو؟

كان "الخط الحديدي الحجازي" مربوطاً بـ"قطار الشرق السريع" الذي يربط الإمبراطورية العثمانية بأوروبا وبلاد الشام، وبقيت عنه في الذاكرة رواية البريطانية أغاثا كريستي الخيالية البوليسية الشهيرة "جريمة في قطار الشرق السريع".

في الأغنية "بلاد العربِ أوطاني من الشامِ لبغدانِ/ ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ"، وفي النشيد القومي "وطني حبيبي الوطن الأكبر".. لكن لا يوجد من بغداد لتطوان خط سكة حديد، ناهيك عن "إعادة تسيير الخط الحجازي".

الصين الحالية تتحدث عن إعادة تسيير "طريق الحرير"، وعنه قال الرئيس الفرنسي ماكرون، خلال زيارته لبكين، إن الخط سيعمل في اتجاهين!
قبل هذا، صار يمكنك أن تسافر بالقطار من تركيا إلى فرنسا، ومنها عبر نفق بحر المانش إلى لندن.

هذا العالم العربي المستطيل كأنه تابوت لحلم الوحدة العربية، والتعاون الإقليمي العربي، كان قد شهد في عمّان مؤتمراً للقمة، طرح خلاله العراقي سعدون حمادي مشروعاً لـ"عقد التنمية العربية" بقي حبراً على ورق.

لم يتم مشروع/ حلم إعادة تسيير الخط الحجازي، ولا بالطبع ربط بغداد بتطوان بشريان من السكك الحديدية، ولا مشروع ربط التجارة البينية العربية.
تحدثوا لاحقاً، عن مشروع الربط الكهربائي العربي، للاستفادة من فروقات الحزم الساعية في هذا "التابوت العربي" من بغداد لتطوان.

لا أدري ما الذي تحقق من مشروع الربط الكهربائي بين دول عربية تضع قيوداً وسدوداً أمام انتقال الأشخاص فيما بينها، وترفض قبول جوازات سفرها، وتتعامل بعدّة عملات.. وجوازات، وجعلت العالم العربي "دار حرب وخراب".

يتشكل العالم العربي هذا من أربع وحدات جغرافية هي بلاد الشام، مصر والسودان، دول مجلس التعاون الخليجي السداسي، والمغرب العربي.
لا توجد سكة حديد تربط بغداد بدمشق، لكن كم مرّة أغلقت الحدود بينهما وقُطعت العلاقات إبّان حكم الحزب ذاته للبلدين؟
طرح مشروع الاتحاد المغاربي وفشل، لكن بقيت الحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب، وبين تونس وليبيا صارت حدود أمن وإرهاب، وكذا بين مصر وليبيا.
السودان التي فقدت ثلث أراضيها، وأجّرت جزيرة سواكن لتركيا، تنازع مصر حول مثلث حلايب، ودول مجلس التعاون الخليجي، ذات العملات وجوازات السفر المختلفة، تتنازعها الأزمة مع قطر، والحرب على اليمن، ومن قبل حرب إرهاب دول الخليج على العراق وسورية.

كوارث "الربيع العربي" بدّلت الحكام، ولم تبدل الوضع. استبدلت الدكتاتورية بالفوضى، لكن أخيراً التفت العراق إلى تفاهم مع الكويت على الشراكة في استغلال نفط المنطقة الحدودية، فلماذا كانت حرب صدام على الكويت؛ والتفتت العراق إلى مقايضة التمور العراقية مع الحمضيات السورية، فلماذا كان إغلاق الحدود بين دولتين يحكمها الحزب ذاته؟

العالم العربي هو حدود اللغة العربية، لكن التعاون البيني بين دوله، وانتقال الأفراد لا يمكن مقارنته بتعاون دول الاتحاد الأوروبي ذات اللغات المختلفة، والتاريخ والعملات المختلفة.
الحواجز الجمركية بين دول العالم العربي هي من الأعلى عالمياً، وشبكات الطرق بينها من الأسوأ عالمياً، رغم التقارب الثقافي بين شعوبه، وكذا التقارب الديني، وكل محاولات تقليد النموذج الأوروبي في التكامل والتعاون البيني لم تنجح، وفشلت العروبة في استيعاب الأقليات بين دولها.

تطلّب إقناع دول وشعوب أوروبا بنوع من الوحدة وقوع حربين عالميتين، لكن الحروب الأهلية العربية زادت عوامل الفرقة. الوحدة العربية صارت حلماً، وكذا السوق العربية المشتركة، وأيضاً، ربط دوله بشرايين طرق وسكك حديدية، وربما الربط الكهربائي، أيضاً.

المصدر : جريدة الايام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سكك، أسلاك سكك، أسلاك



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 11:30 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

آثار الخلافات الزوجية على سلوك الطفل

GMT 10:30 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمرنا النت والحاج جوجل!

GMT 11:43 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

البوركيني إسماعيل يانجو ينضم لنادي العروبة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia