أيلولات ملوّنة بالأحمر والأسود والأخضر

أيلولات ملوّنة.. بالأحمر والأسود.. والأخضر!

أيلولات ملوّنة.. بالأحمر والأسود.. والأخضر!

 تونس اليوم -

أيلولات ملوّنة بالأحمر والأسود والأخضر

بقلم - حسن البطل

قبل58 حولاً، كنت في عمر الصبية عهد التميمي. بعد ثلاثة أيام، من أيلول هذا العام، ستطالعكم صحف وفضائيات بمرثيات وذكريات وتحسُّرات على رحيل من كان زعيم الأمة: جمال عبد الناصر، في 28 أيلول من العام 1970.
باستثناء خطابين جماهيريين لناصر، ألقى اثنين فحسب خلف الميكروفون في الاستديو: خطاب انفصال سورية عن مصر، في 28 أيلول 1961؛ وخطاب الاستقالة بعد النكسة الحزيرانية!
ما عادوا يقولون: ما أشبه اليوم بالبارحة.. لكن خطاب ناصر الاستسلامي إزاء انفراط عُرى الجمهورية العربية المتحدة RAU قد يذكّرنا بحال سورية في خطاب الانفصال وبحالها اليوم.. وبالذات فقرة مستقبلية منه هي: "أعان الله سورية الحبيبة على أمورها، وسدّد خطاها، وبارك شعبها..".
يردّون انقلاب العقيد حيدر الكزبري إلى أسباب عدة: اقتصادية وسياسية وإدارية، مثل قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم الاشتراكية في العام 1960، وقد أضيف إليها قانون العشائر، علماً أن العقيد الكزبري كان قائد سلاح الهجانة في الجيش السوري.
هاكم إضاءة لقانون العشائر، حيث فشلت البرلمانية السورية، من الاستقلال إلى الوحدة، في تشريعه، لكن وبجرة قلم شرعه ناصر. قبل ذلك كانت العشائر في البادية لا تسجل ولاداتها ووفياتها في سجل الأحوال المدنية، بما يتبع ذلك من خضوع شبابها إلى قانون "خدمة العلم" الإلزامي في الجيش.
إلى هذه الأسباب، كان هناك سبب أيديولوجي وآخر رجعي ديني، حيث قال دعاة الانفصال إن الاشتراكية من الشِرْك.. وهذا حرام شرعاً، واتخذوا من جفافٍ ضَرَبَ سورية والمنطقة في أعوام الوحدة الثلاثة سبباً وذريعة، خاصة أن عام 1962 كان وفير الأمطار!
القوى الرجعية، المحلية والإقليمية، التي دعمت الانفصال وروّجت له، هي ذاتها التي شاركت في حرف "الربيع السوري" إلى اتجاهات صدام بين العروبة والإسلام. ربما لذلك، قال ناصر بعد انقلاب عبد الله السلّال يوم 26 أيلول 1962 على حكم الإمامة في اليمن: "سنحارب الرجعية في أحضان الاستعمار؛ ونحارب الاستعمار في قصور الرجعية" علماً أن اليمن كان عضواً في "اتحاد الجمهوريات العربية" أي سورية ومصر.. واليمن الإمامي.
من أيلول الانفصال، إلى أيلول انقلاب السلّال، إلى أيلول رحيل ناصر.. فإلى "أيلول الأسود" عام 1970، ثم أيلول صبرا وشاتيلا في لبنان، ولاحقاً أيلول الأوسلوي 1993.. ولا ننسى أيلول الانتفاضة الثانية في أيلول 2000!
نعم، هي مجرد مصادفات تاريخية ليس إلّا، لكنها جعلت أيلول "مطرزاً" أكثر من بقية شهور السنة بالأسود والأحمر والأخضر، وفي أيلول الجوّال الفلسطيني كنتُ في عمر يختلف، وأحياناً في بلد يختلف.. إنها أيلولات نصف قرن ونيِّف.
كنتُ يافعاً في الصدمة الأيلولية الأولى؛ صدمة الانفصال. ربما لأن ضابطاً انفصالياً سورياً أباح بسرّ الانقلاب إلى أخته، التي أباحته إلى أختي.. ثم لي.
كان والد صديقي السوري فيصل دركياً مناوباً في سراي دوما، وسألته أن يتصل بعبد الحميد السراج محذراً، لكنه استخفّ بالمعلومة ولم يفعل. في صبيحة 28 أيلول 1961 كنتُ تلميذاً في الصف العاشر، مدرسة ثانوية دوما للبنين. كان معلم الصف يختلف، فقد كان مساعداً في الجيش، وكنّا في أول درس لتنظيم "الفتوّة" شبه العسكري، حيث اعترضتُ وزميلي الفلسطيني كامل، والجزائري سيف الدين على الانفصال، فجاء قائد المنطقة، وكان برتبة رائد، وسمع من لهجاتنا الفلسطينية والجزائرية أننا غير سوريين.. فشتم فلسطين والجزائر.. وقال: "سورية للسوريين"!
لما علم أهل دوما، وتنظيم المقاومة الشعبية فيها، بما قال الرائد، جرت تظاهرة مسلحة شعبية أنزلت العلم السوري القديم (ثلاث نجوم حمر) وأعادت رفع علم الجمهورية المتحدة (نجمتان خضراوان)، وسقط قتلى وجرحى في ما دعته إذاعة "صوت العرب" ثورة دوما ضد الانفصال، بينما خرج مؤيدوه في دمشق ضد الفلسطينيين المؤيدين للوحدة وناصر، ورفعوا هتاف: "يا إلى غزة، يا إلى المزّة"!
أخي المقاتل الطيراوي في زمن النكبة الذي سبق وحلّ نزيلاً في سجن المزّة، وأنا عدتُ بعد أوسلو الأيلولية إلى غزة. كان أخي عضواً في "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، وكان يعترض على صفة "الاشتراكية" ويفضّل عليها صفة "الاجتماعية"، على غرار ما يستخدمه الحزب النازي ـ الهتلري!
بعد الانفصال السوري، جرت محاولات لإحياء الوحدة أو الاتحاد، من إعادة ترميم الوحدة مع مصر، إلى اتحاد الجمهوريات العربية (سورية، مصر، ليبيا).. إلى "دولة البعث" بين جناحي الحزب في سورية والعراق، ولما سألت أخي عن احتمالات نجاح "دولة البعث" أو فشلها، قال: إن لم تنجح ستكون هذه بداية الانهيار لجناحي الحزب.. وهذا ما حصل، في الفترة بين عامي 2003 و2011، من سقوط بعث العراق، والتمرّد الشعبي على حكم بعث سورية.
أعرف أن المناسبات العربية والفلسطينية تطرّز شهور العام، لكنها، بالذات، تطرّز مناسبات ووقائع أيلولية، كما يطرّز أيلول من كل عام المناسبات الدينية اليهودية.
***
يكتب زميلي الأستاذ عادل الأسطة مقالاً ثقافياً يوم الأحد، وفي بقية الأيام يكتب "خربشات" كان نصيبي منها خربشة عن قراءته لكتاب من أربعة كتب أهديتها له، عنوانه "وأنت يمشيك الزمان". سرّتني عبارة فيها: "كما لو أنني أقرأها للمرة الأولى، بعد مواظبتي على قراءتها في "الأيام".. أي لم تبهت على مرّ الأيام والسنوات، ولا تزال طازجة وحارّة.
لا أعرف هل كان عادل، اللاجئ مثلي، في بلد يختلف في هذه الأيلولات أم لا؟
.. وما سبق "خربشات أيلولية".
حسن البطل

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيلولات ملوّنة بالأحمر والأسود والأخضر أيلولات ملوّنة بالأحمر والأسود والأخضر



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 11:30 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

آثار الخلافات الزوجية على سلوك الطفل

GMT 10:30 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمرنا النت والحاج جوجل!

GMT 11:43 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

البوركيني إسماعيل يانجو ينضم لنادي العروبة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia